لا فرق بين إحراق عائلة بزجاجة حارقة وإحراق 500 طفل في عملية الجرف الصامد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•الإسرائيليون يطعنون المثليين ويحرقون الأطفال. ليس هذا تشويهاً للسمعة أو مبالغة في الوصف. صحيح أن المقصود أعمال فردية، وأنها في ازدياد. وصحيح أيضاً أن جميع القتلة، الحارقين والطاعنين والمقتلِعين، يأتون من معسكر سياسي واحد فقط. لكن المعسكر الثاني مذنب أيضاً.

•كل من كان يعتقد أنه في الإمكان وجود جزر ليبرالية في بحر الفاشية الإسرائيلية وجد في نهاية الأسبوع أنه على خطأ. لا يمكن أداء التحية لقائد كتيبة يقتل فتى [فلسطينياً] ثم نُصدم من مستوطن يحرق عائلة؛ لا يمكن دعم نضال المثليين وإقامة مؤتمر تأسيسي في [مستوطنة] أريئيل؛ لا يمكن أن تكون متنوّراً وتتملق اليمين وترغب في الانضمام إليه. ليس هناك حدود للشر، فهو يبدأ في مكان ما ثم ينتشر في جميع الاتجاهات.

•إن الأرض الخصبة الأولى لحارقي عائلة دوابشة هي جيش الدفاع الإسرائيلي حتى لو لم يخدم هؤلاء فيه. فعندما يكون قتل 500 طفل في غزة مشروعاً وحتى لا يثير نقاشاً أو محاسبة النفس، أين الصعوبة إذن في إحراق بيت بالأولاد الذين فيه؟ وما الفارق بين إلقاء زجاجة حارقة وإلقاء قنبلة من طائرة حربية؟ 

•عندما يصبح إطلاق النار على الفلسطينيين عادة يومية تقريباً، إذ قتل فلسطينيان بعد إحراق العائلة، الأول في الضفة والثاني على حدود غزة، لماذا نحتج على مشعلي النار في دوما؟ وعندما تكون حياة الفلسطينيين مستباحة من الجيش ودمهم رخيصاً في نظر المجتمع، فإنه يصبح من المسموح به أيضاً لميليشيات المستوطنين قتلهم. وعندما يكون المعيار بالنسبة للجيش الإسرائيلي في غزة أنه يجب فعل كل شيء من أجل إنقاذ حياة جندي واحد، لماذا نتحفظ من أعضاء في اليمين من أمثال باروخ مرزيل الذي قال لي في نهاية الأسبوع الماضي إنه من أجل شعرة واحدة من رأس يهودي من المسموح به قتل آلاف الفلسطينيين. هذه هي الأجواء وهذه هي النتيجة، والجيش الإسرائيلي هو المسؤول الأول عنها.

•ومذنبة أيضاً، لا أقل من ذلك، الحكومات والسياسيون الذين يتنافسون في التزلف للمستوطنين. إن الذي يمنحهم 3 آلاف وحدة سكنية جديدة مقابل عنفهم في مستوطنة بيت إيل إنما يقول لهم: العنف ليس مسموحاً به فحسب، بل هو جيد أيضاً. ومن الصعب رسم الحدود بين إلقاء أكياس من البول على الشرطة وإلقاء زجاجات حارقة على بيت سكني.

•إن سلطات تطبيق القانون مذنبة أيضاً وعلى رأسها قسم الاستخبارات، الذي هو أكثر قسم مثير للسخرية والفضائح في أقسام الشرطة. واستناداً الى معطيات "بتسليم" فقد جرى إحراق تسعة بيوت فلسطينية في السنوات الثلاث الأخيرة. وما هو عدد المعتدين الذين جرت محاكمتهم؟ لا أحد. إذن ماذا جرى أول من أمس في دوما؟ فقط أنه، في نظر منفذي عملية الإحراق ومساعديهم، كانت عملية الإحراق أنجح من سابقاتها.

•مساعدوهم هم أيضاً كل الذين يصمتون ويعتقدون أن الشر سيبقى في الضفة الغربية إلى الأبد. مساعدوهم هم الإسرائيليون المقتنعون بأن شعب إسرائيل هو الشعب المختار، لذا مسموح له بكل شيء بما في ذلك إحراق بيوت أجانب بسكانها.

•أيضاً كثيرون ممن صدمهم هذا العمل وبينهم من زار المصابين في مستشفى شيبا مثل رئيس الدولة ورئيس الحكومة وزعيم المعارضة ومساعديهم، تشربوا منذ ولادتهم القول العنصري والمثير للاشمئزاز: "أنت اخترتنا". في نهاية المطاف هذا هو الذي يؤدي الى إحراق عائلات لم يخترها الله. ليس هناك قيمة أكثر إفساداً للمجتمع الإسرائيلي من هذه القيمة، ولا أخطر منها. ومع الأسف الشديد، ليس هناك أكثر انتشاراً منها. فإذا نظرتم جيداً إلى ما يختبئ تحت جلود أغلبية الإسرائيليين ستكتشفون الشعب المختار. وعندما تكون هذه هي القيمة الأساسية، فإن عملية الإحراق الجديدة آتية.

•إن مساعديهم موجودون في كل مكان وأغلبيتهم يعبرون اليوم عن صدمتهم إزاء ما حدث. لكن ما جرى كان لا بدّ يحدث، فهو أمر يفرضه الواقع الإسرائيلي وأخلاقه وقيمه. وليس هناك من لا يتحمل المسؤولية، فالذي أحرق عائلة دوابشة هي إسرائيل.