•"من دون أي صلة بما تفعله الولايات المتحدة أو لا تفعله، فإن عزلة إسرائيل الدبلوماسية ستأخذ في الازدياد إذا لم يتحقق حل سلمي شامل. بالنسبة لأوروبا الغربية، فإن استقرارها الاقتصادي أهم من أمن إسرائيل، وحتى الدول في أفريقيا وآسيا فإنها قد تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إذا استمرت هذه الأخيرة في توجهها الحالي. ومن دون تغيير حقيقي ستجد إسرائيل نفسها داخل غيتو دبلوماسي دولي حيث الولايات المتحدة هي صديقتها الوحيدة. لكن حتى في الولايات المتحدة، فإن مكانة إسرائيل لن تكون مضمونة إذا لم تغير سياستها. الآن هي الفرصة الأخيرة لإسرائيل للتوصل إلى السلام بإرادتها. وإذا لم تفعل ذلك، فإنه سيُفرض عليها السلام فرضاً".
•هل يبدو هذا الكلام مألوفاً؟ وهل هو صادر عن أوباما؟ كلا. ربما عن كيري؟ كلا. إنه صادر عن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي في الإدارة الجمهورية للرئيس نيكسون قبل 42 عاماً.
•لقد تغيرت أمور كثيرة منذ ذلك الحين في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة، لكن في ما يتعلق بالمشكلة الإسرائيلية – الفلسطينية وموقف أميركا حيالها فيمكننا أن نلاحظ وجود خط مستمر وثابت من أيام ليندون جونسون سنة 1967 وحتى أوباما في ما يتعلق بمسائل مثل القدس والحدود والمستوطنات. بالطبع لقد كان هناك صعود وهبوط وتغير في تركيز التوجه الأميركي، لكن مواقف واشنطن الأساسية حيال هذه المسائل بقيت ثابتة طوال هذه السنوات تقريباً.
•خلال الفترة الأكثر مثالية في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية أثناء ولاية جورج دبليو بوش، طلب مني إليوت أبراهامز، المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، أن أنقل إلى رئيس الحكومة شارون رسالة تحذيرية قاطعة مفادها أنه إذا لم يتوقف بناء المستوطنات "غير القانونية"، أي الموجودة خارج "الكتل الاستيطانية"، التي توافق عليها الإدارة، فإن هذا سينعكس سلباً على مجمل العلاقات بين واشنطن والقدس. لا أعلم لماذا اختارني تحديداً كي أنقل الرسالة إلى شارون، فيومها لم أكن موظفاً رسمياً، وأعتقد أنه ربما لهذا السبب تحديداً وبسبب معرفتي بالشؤون الأميركية، فإنه سيكون للتحذير قيمة أكبر بكثير. في جميع الأحوال، فإن هذه الحادثة تدل على التوجه الأميركي الأساسي المتعلق "بالمناطق".
•وفي الواقع لا جديد تماماً تحت الشمس، فخلفية كلام هنري كيسنجر في ذلك الحين كانت المصلحة الأميركية في اعادة الأمور إلى نصابها مع العالم العربي وإنهاء حظر النفط في أعقاب حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]. أما تصريحات الرئيس أوباما (من خلال الصحافي جيفري غولدبرغ) فيمكن رؤيتها انعكاساً لطموحه المعلن "لفتح صفحة جديدة" بين أميركا والعالم الإسلامي، من أجل "إنشاء واقع جديد" في الشرق الأوسط (هذا الطموح الآخذ في التعقد نتيجة التعارض بين الولايات المتحدة وأغلبية الدول العربية بشأن الاتفاق النووي مع إيران).
•لكن على الرغم من عامل الاستمرارية في التوجه الأميركي منذ 1967، فقد طرأت على مر السنين تغييرات تتعلق بالتفاصيل، ودائما الشيطان (أو "الله" بحسب نظرة هذا الشخص أو ذاك) يكمن في التفاصيل. وإذا كان كيسنجر في كلامه مع الصحافي جايمس رستون أيد قرار مجلس الأمن 242، إلا أنه قال إنه لا يمكن مطالبة إسرائيل بالانسحاب من مناطق احتلتها من دون ان تكون لديها "حدود جديدة معترف بها وآمنة"، وفاجأ بوش (الابن) إسرائيل بحل الدولتين، ويبدو أن أوباما يريد أن يفرض مسبقاً أن تكون الحدود بين الدولتين خط الهدنة ("الخط الأخضر")، مع "تبادل أراض"، مما يعني مطالبة إسرائيل بـ[إعطاء أراض للفلسطينيين مقابل الأراضي التي لن تنسحب منها]، وكان الرؤساء الذين سبقوه يعتبرون أن ذلك لا يتلاءم مع المبادئ الواردة في قرار الأمم المتحدة 242. بناء على ذلك، فإن أوباما أيضاً لا يفرق بين القدس و"الكتل الاستيطانية" وسائر مناطق الضفة الغربية. وفي الواقع وحتى في الماضي خلال فترة ولاية جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بايكر، كان هناك جدل بين الطرفين [الولايات المتحدة وإسرائيل] وصل إلى عناوين الصحف، لكن في أغلبية الأوقات امتنعت القدس وواشنطن عن المواجهات العلنية. ويشكل هذا اليوم مصلحة إسرائيلية، فهل لها شريك في الجانب الثاني؟