عام على عملية "الجرف الصامد": يجب توفير حافز إيجابي لـ"حماس" كي تحافظ على هدوء طويل الأمد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•لا شك في أن هناك عدة دروس مهمة من عملية "الجرف الصامد" العسكرية في قطاع غزة كان بالإمكان استخلاصها أثناء العملية أو فور انتهائها. ومع ذلك وبعد انقضاء عام واحد على هذه العملية بوسعنا أن نستخلص تلك الدروس وفقاً لمنظور أفضل.

•بداية لا بُدّ من أن أشير إلى أن هناك خطأين كلاسيكيين يتم تكرارهما مرات عديدة وليس عندنا فقط. الأول، يتمثل بالوصف غير الصحيح للواقع أو السرد المغلوط للرواية. ومثل هذا الخطأ ميّز ما نفكّر به بشأن غزة منذ سنة 2006، حيث كانت "روايتنا" على النحو التالي: "حماس" منظمة إرهابية سيطرت على غزة بالقوة فسلطتها غير شرعية، وهي تحكم بالقوة نحو 1،8 مليون مواطن مسكين، وبناء على ذلك يتعيّن علينا أن نقاطع كل من يتحدث مع "حماس". في المقابل، يمكننا من ناحية عسكرية أن ننتصر عليها بسهولة لكونها منظمة إرهابية ليست قوية على نحو خاص.

•بيد أن الوضع الحقيقي لغزة كان وما يزال مختلفاً. فقد أصبحت بحكم الأمر الواقع دولة مستقلة بكل معنى الكلمة. و"حماس" ليست منظمة إرهابية مثل القاعدة، بل حركة انتخبت بشكل ديمقراطي جداً وتمثل السكان بإخلاص وهي مدعومة منهم. ولولا ذلك ما كانت تنجح في أن تجند كل قدرات غزة الوطنية لبناء ترسانة عسكرية بهذا القدر من الإثارة وشبكة أنفاق [هجومية] بهذا القدر من التهديد.

•الخطأ الكلاسيكي الثاني يتعلق بتعريف المصالح. إن المصلحة الوطنية ليست أمنية خفيّة، بل شيء مهم بما فيه الكفاية كي نكون مستعدين لأن ندفع ثمناً من أجل أن نحققه. وبالنسبة لغزة توجد لنا مصلحة أمنية فقط، فنحن في نهاية المطاف نريد أن نضمن ألا يطلقوا النار علينا، وأيضاً نريد أن تتأكل قدرة "حماس" العسكرية في المستقبل، وليست لنا أي مصلحة جغرافية أو اقتصادية أو سياسية هناك. في المقابل، مصلحة "حماس" هي أولاً وقبل أي شيء سياسية، فهي تريد أن تحقق شرعية دولية لحُكمها في غزة. صحيح أننا أعداء، لكن هذا لا يعني أن تضارب المصالح بيننا مطلق. وفي ضوء ذلك يمكن لإسرائيل أن تسمح لـ"حماس" بأن تحقق مطلبها هذا في مقابل هدوء طويل الأمد.

•إن الإصرار الذي اتسمت به السياسة الإسرائيلية منذ سنة 2006 لغاية ما قبل وقت قصير، وبموجبه يجب ضمان وجود وتأثير للسلطة الفلسطينية في غزة، لا يخدم أي مصلحة لنا وهو يمس المصلحة الحقيقية التي هي مصلحة أمنية صرفة كما أسلفنا.

•إن قيام "حماس" بإطلاق النار على إسرائيل الذي أدى إلى عملية "الجرف الصامد"، كان أولاً وقبل أي شيء نتيجة إحباطها عقب توقف تحويل الأموال إليها و"النجاح" الإسرائيلي في منع جهات متعددة من زيارة غزة والتبرع بالأموال لها. إذا كان رمز "حماس" للاستقلال هو إقامة ميناء، فتصح الآن الموافقة على إقامته في مقابل تنازلها عن صواريخها بعيدة المدى. وإذا لم توافق لن نخسر شيئاً بل نكون حصلنا على نقاط استحقاق في المواجهة الدولية مع "الحصار الإسرائيلي على غزة"، وإذا وافقت يكون الربح الإسرائيلي مضاعفاً.

•بالتأكيد سيكون هناك من يدعي أن وجود ميناء في غزة تهديد أمني، غير أن ما يقرّر حجم المخاطرة الأمنية ليس وجود ميناء أو عدم وجوده، بل النظام البحري. وفي هذا الشأن يمكن بسهولة التوصل إلى تسوية تضمن الجانب الأمني في هذا السياق. كما يجدر بنا أن نتذكر أن عملية إقامة ميناء تستغرق عدة سنوات مما يعطي "حماس" حافزاً إيجابياً للحفاظ على الهدوء.

 

•بنظرة ثانية الآن، لا شك في أن عملية "الجرف الصامد" وفرت ردعاً ناجعاً، ولدى انتهائها بقيت "حماس" مع نحو ثلث كمية الصواريخ التي كانت لديها قبل العملية فقط، وهي تواجه الآن مصاعب جمّة للتزود بصواريخ جديدة، وقيادتها العسكرية تضررت على نحو كبير، فضلاً عن أن الدمار الهائل الذي لحق بغزة يلزمها أن تستثمر في إعمار القطاع لا في محاولة الخروج إلى مغامرة [عسكرية] جديدة؛ ولكن الهدوء طويل الأمد سيستمر إذا ما وفرنا لـ"حماس" إلى جانب الردع حافزاً إيجابياً لا يتناقض بالضرورة مع حاجاتنا الأمنية، بغية حثها على الحفاظ عليه.

 

 

المزيد ضمن العدد 2168