•أحداث الأيام الأخيرة في هضبة الجولان وأهمها عملية الاعتداء الجماعي التي جرت هذه الليلة ضد جرحى سوريين، تجاوزت الخط الأحمر، وأصبحت تتطلب فحصاً داخلياً واستخلاصاً للدروس من جانب جميع الأطراف التي لها علاقة بالموضوع: الدولة، وقوات الأمن، وبصورة خاصة الدروز أنفسهم.
•إن الخطر الأساسي هو بالطبع أن تنجر إسرائيل رغماً عن إرادتها إلى الحرب الأهلية السورية. هناك أطراف كثيرة قد ترغب بالانتقام بعد أحداث الأمس، إما مباشرة من الدروز في إسرائيل أو بصورة غير مباشرة من أبناء الطائفة الدرزية في سورية، وبالتالي تنجرّ إسرائيل إلى الورطة التي نجحت في الامتناع عن الوقوع فيها خلال السنوات الأربع والنصف الماضية.
•ومن أجل تقليص هذا الخطر يتعين على إسرائيل أن تبعث برسائل واضحة إلى مختلف الأطراف في سورية بأنها سترد بشدة على أي عملية انتقام. لكن في المقابل عليها أن تقرر بسرعة ماذا ستفعل بشأن المسألة الأساسية بحد ذاتها، أي إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب في التزامها بحلف الدم مع الطائفة الدرزية. إن الرسائل المتناقضة التي برزت في الأيام الأخيرة مثل "لن نتدخل" من جهة، ومن جهة أخرى "لن نسمح بحدوث مذبحة" اثارت الكثير من البلبلة وسط أبناء الطائفة، أضف إلى ذلك عدة إشاعات بعضها غير صحيح مثل تلك القائلة بأن الجرحى الذين نقلوا ليلاً للمعالجة في إسرائيل هم من جبهة النصرة التي تهدد باحتلال قرية الخضر.
•كما يتعين على المؤسسة الأمنية أن تجري لنفسها تحقيقاً داخلياً صارماً. فالحادث الذي وقع هذه الليلة هو الثاني من نوعه خلال ساعات، أي مهاجمة سيارة إسعاف تنقل جرحى. وعلى الرغم من ذلك، فإن التغيير في الاجراءات كان قليلاً (مرافقة سيارة شرطة عسكرية للقافلة)، ةلم يكن هناك في المكان رجال متمرّسون بمواجهة حدث كهذا، إلى جانب غياب التنسيق مع الشرطة والمسؤولين عن النظام في مجدل شمس.
•كما يجب إجراء تحقيق من الناحية الاستخباراتية أيضاً. فالعلاقات بين الدروز الموجودين في الجولان سواء في إسرائيل أم في سورية معروفة، وقد شكلت في الماضي أرضاً خصبة لأعمال عدائية من أنواع مختلفة. وفي ضوء هذا الوضع تعمل جهات على جمع المعلومات ولا سيما الشاباك والشرطة، فكيف لم يعلم أحد منها بأن مئات الأشخاص ينوون الخروج والاعتداء على القافلة العسكرية؟ وإذا كان هناك تحذير من ذلك ومعلومات بهذا الشأن، فلماذا لم يكن الجيش الإسرائيلي على علم بها؟
•ولكن الأسئلة الجوهرية مطروحة اليوم على الطائفة الدرزية، وخاصة على سكان الهضبة. فخلال سنوات طويلة حافظ هؤلاء على ولاء مزدوج لإسرائيل وسورية، وأصبح عليهم اليوم أن يختاروا وأن يعلنوا اختيارهم. من حقهم المطالبة بحلول حتى لو كانت تضع إسرائيل في مواجهة معضلة (مثلاُ استيعاب مئات من إخوانهم الموجودين في سورية)، لكن السهولة التي انتقلوا فيها إلى العنف بما في ذلك ضد قوات الأمن، تدل على أن شيئاً أساسياً قد اختلط في نظرتهم إلى واجباتهم وحقوقهم في الدولة.
•من المحتمل أن نشهد في الأيام القريبة محاولات تهدئة من جانب جميع الأطراف الحكومية والأمنية ومن جانب أبناء الطائفة الدرزية، كما من المحتمل أن تنجح هذه الجهود موقتاً في تهدئة النفوس. لكن طالما لا تزال الحرب السورية مستمرة، فإن كل حادث مهما كان بريئاً وإنسانياً مثل إنقاذ جرحى، قد يتحول إلى احتمال تفجير مزدوج داخلي في مواجهة الدروز، وخارجي في مواجهة القوات المتقاتلة في سورية.