التقرير الإسرائيلي المتعلق بأحداث عملية "الجرف الصامد" لن يؤثر في الموقف الدولي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•مئات الساعات وظفها محامون ودبلوماسيون وضباط  في 270 صفحة من صفحات التقرير الإسرائيلي المتعلق بعملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة. والنتيجة  تقرير شامل وتفصيلي مدعوم بالحجج والبراهين ومصاغ بصورة جيدة. لكن على الرغم من هذا كله، فثمة شك في فائدة هذا التقرير. وليس من قبيل المبالغة القول إنه لن يكون له أي تأثير في الموقف الدولي وفي الوضع القانوني لدولة إسرائيل وصورتها العامة.

•لقد نُشر التقرير الإسرائيلي أمس (الأحد) كي يستبق التقرير الذي من المنتظر أن تنشره اليوم لجنة التحقيق الدولية التابعة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بشأن موضوع الحرب في غزة. وكان أحد الأهداف الرئيسية له هو محاولة التأثير في طبيعة التغطية والخطاب الذي سيبرز في وسائل الإعلام الدولية خلال الأيام المقبلة. لكن ثمة شك في أن هذا الهدف سوف يتحقق.

•في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في وزارة الخارجية حيث جرى عرض أهم ما جاء في التقرير، كان حضور الصحافيين الإسرائيليين والأجانب قليلاً جداً. وعلى الرغم من العمل الجدي الذي وُظف في كتابة التقرير، فإنه لم يقدم معلومات جديدة.

•علاوة على ذلك، فإن القضاة الثلاثة الذين جرى اختيارهم كي يكونوا "مقدمي" التقرير لاقوا صعوبة في اثارة اهتمام الحاضرين، أو في تلخيص التقرير في عناوين مثيرة تجذب التغطية الاعلامية.

•وعلى الرغم من رصانة التقرير، إلا أنه في النهاية لا يعدو كونه ورقة دعائية مطوّلة صادرة عن حكومة إسرائيل. هكذا سيعتبر التقرير في نظر القلائل الذين سيقرأونه من بدايته وحتى نهايته، أو القلائل الذين سيقرأون أهم ما جاء فيه وخلاصاته. لكن في العالم سنة 2015، وخاصة في دول الغرب، فإن هذا ليس كافياً. 

•لو كانت حكومة إسرائيل ترغب في إقناع الآخرين بأنها كانت محقة في القرارات التي اتخذتها والعمليات التي قامت بها في الصيف الماضي، كان عليها أن تشكل لجنة تحقيق مستقلة ليست تابعة لها، يشارك فيها أيضاً أطراف دوليون. وهذا ما جرى تحديداً مع لجنة تيركل التي حققت في أحداث الأسطول التركي إلى غزة، وكان للتقرير الذي أصدرته هذه اللجنة دور حاسم في قرار لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بأن إسرائيل لم تخرق القانون الدولي عندما سيطرت بالقوة على "مافي مرمرة".

•ومن الأسباب الأساسية التي تجعل هذا التقرير ليس أكثر من تمرين أكاديمي، قرار إسرائيل مقاطعة لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. إن جزءاً كبيراً من قرار عدم المشاركة انفعالي، لكن جزءاً آخر استند الى خلفية منطقية، ففي النهاية لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة توجه واضح ضد إسرائيل، وقد ترأس اللجنة قاض معاد لإسرائيل هو وليامس شيبس.

•لكن على الرغم من ذلك، فإن قرار مقاطعة لجنة التحقيق أصبح غير منطقي وغير معقول بعد الاستقالة المهينة لشيبس بسبب تضارب المصالح الواضح، واستبداله بالقاضية الأميركية ماري مكغوان دايفيس المعروفة بمواقفها المتوازنة حيال إسرائيل، والتي أصدرت قبل بضع سنوات تقريراً جاء فيه أن التحقيقات التي قام بها الجيش الإسرائيلي بعد عملية "الرصاص المصهور" استغرقت وقتاً طويلاً جداً، وجرت كما يجب وجرى توظيف موارد كثيرة فيها من جانب إسرائيل.

•لو تراجعت إسرائيل عن قرارها وقررت التعاون مع مكغوان ديفيس بشأن أحداث "الجرف الصامد" وقدمت إليها نتائح التقرير، لكان من المحتمل جداً أن يؤدي ذلك إلى نتيجة أفضل. وعدم حدوث ذلك يطرح شكوكاً بأن الحكومة في القدس قاطعت اللجنة كي تستطيع أن تدّعي في النهاية أنها مجموعة معادية للسامية وأن العالم كله ضدنا.

 

•لكن المشكلة الأصعب في التقرير الإسرائيلي الذي قُدم بالأمس هي أنه يعاني من المشكلة عينها التي تعانيها سياسة حكومة إسرائيل منذ وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في 2009. ويبدو خلال السنوات الثمانية الماضية أن نتنياهو وجماعته يحاولون حل كل مشكلة سياسية تواجهها إسرائيل بمحاولة إقناع العالم كله من خلال حجة سفسطائية بأن إسرائيل محقة. لكن السبيل إلى تجنيد تأييد العالم هو بواسطة الأفعال وليس الأقوال. ومبادرة سياسية إسرائيلية لإعادة إعمار غزة بالتعاون مع المجتمع الدولي كانت ستكون أفضل بكثير من أي تقرير

 

 

المزيد ضمن العدد 2150