إسرائيل ليست قوة عظمى أو إمارة غاز طبيعي: ما هو ترتيب إسرائيل في قائمة الدول حسب احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم وكيف ينظر مسؤول كبير في بنك إسرائيل المركزي إلى مساهمة اكتشافات الغاز في الاقتصاد الإسرائيلي
المصدر
غلوبس

موقع متخصص بالمسائل الاقتصادية ومسائل الطاقة. يصدر باللغة الإنكليزية.

•في الأسبوع المقبل سوف يتبلور ويعلن على ما يبدو اتفاق الحكومة مع شركات الغاز بشأن مستقبل قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل. كونوا على ثقة بأنه سيكون هناك صخب كبير، وأن الشعارات المعهودة ستملأ الجو وأن أعضاء فرقة [البيروقراطيين] الصارمين سيصابون بالذهول. انظروا كيف تمادى هؤلاء: حتى إن "مهرجان" آخر، هو قضية [فساد] عضو الكنيست أورن حزّان" ، وُظّف في الشأن المتعلق بالغاز. والمؤامرة هي: الانشغال بسمكة صغيرة مثل حزّان للتضليل وطمس السرقة الكبيرة الدائرة في قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل.

•الحقيقة هي أن مسألة الغاز الطبيعي أصبحت في صدارة الشأن العام بكامل قوتها، وهذا أمر جيد. وحتى الدكتور درور ستروم [المعهد الإسرائيلي للتخطيط الاقتصادي] الذي يُكثر من التصريحات حول الموضوع، ويقف في صف "الأخيار" على ما يبدو، اعترف هذا الأسبوع بحقيقةٍ يحاولون طمسها وقد ذكرناها مراراً وهي: إن للدولة شراكة مصالح قوية جداً مع شركات الغاز – ليست شراكةً تقنيةً بملكية حقول الغاز فقط، وإنما شراكة مصالح. فهناك مصلحة واضحة وبديهية للدولة في الإبقاء على مستوى الأسعار الحالي من أجل تحقيق توقعات تحصيل الضرائب، سواء لجهة الرسوم والإتاوة (حقوق الملكية) أو لجهة تحصيل ضرائب الشركات. فالدولة ستجبي أكثر من 60% من العائدات المتوقعة من حقلي "تمار" و"ليفْيَتان" والتي ستدخل إما في الموازنة العامة أو في صندوق الثروة السيادي [SWF]. وفي المجموع الكلي، الأمر يتعلق بإيرادات للدولة تناهز 600 مليار شيكل حتى العام 2040. وبالطبع، لا داعي لأن نقلق على المستثمرين – فهم سوف يستفيدون من معدل عائد داخلي (IRR) يراوح بين 20%  و25%. وتحت مظلة الاتفاق الجارية بلورته، يستطيعون بيع حصتهم في حقل "تمار" (بالنسبة لشركة "ديليك" حصتها الكاملة، وبالنسبة لشركة "نوبل إنرجي" جزء من حصتها فقط) إلى هيئات مؤسّساتية على ما يبدو، لأن المشروع مضمون، وهو مباع بغالبيته [بموجب اتفاقات مبرمة] ودرجة المخاطر منخفضة، وهذا بالضبط ما تحبه الجهات المؤسّساتية.

•هذا ما سيحدث في الأسبوع القادم، بدرجة أقل أو أكثر. لكن نودّ أن نحطم ثلاثة أوهام أخرى، زرعت هنا في الأعوام الأخيرة في النقاش العام المتيقظ حول مسألة الغاز. أولها، بحسب جميع التوصيفات، ولا سيما التي تطلقها شركات الغاز، تشكل إسرائيل "قوةً عظمى في قطاع الغاز"، أو "إمارةَ غاز"، على اعتبار أنها اكتشفت حقول غاز على نطاق عالمي. ثانيها، المستمد من الوهم الأول، هو أن الحقلين الكبيرين "تمار" و"ليفْيَتان" سوف يؤثران بشكل حاسم وفوق التصوّر في الاقتصاد الإسرائيلي وفي تكلفة المعيشة. والوهم الثالث: المقارنات العالمية التي تبيّن أن أسعار الغاز في إسرائيل أدنى من الأسعار السائدة في العالم (بحسب الشركات) أو أعلى بكثير قياساً لما هو سائد في العالم (بحسب الذين يقولون عكس ما تقوله شركات الغاز).

•وتبعاً لذلك، تمعّنوا في بيانات الشكل (رقم 1) المرفق أدناه والتي تتكلم وحدها. تمتلك إسرائيل ما نسبته 0,5% فقط من الاحتياطي العالمي المؤكّد من الغاز الطبيعي. فهي ليست قوةً عظمى، وليست إمارةَ غاز، أو حتى أميرةً صغيرة؛ هي بالكاد فاصلة [صفر 5 بالمئة] من سوق الغاز العالمي. وتتصدر قائمةَ الدول حسب احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد، بحسب الترتيب، كلٌّ من إيران، وروسيا، وقطر، وتركمانستان التي تمتلك مجتمعةً أكثر من 50% من احتياطي الغاز العالمي. ويجدر التذكير بأن إيران تخرج للتو من عقوبات دامت أعواماً، ويجوز افتراض أن شركات الغاز العالمية ستتسابق على أبوابها من أجل تطوير صناعة الغاز هناك.

•الوهم الثاني يتمثل في أنه سيكون لاكتشافات الغاز تأثير حاسم في الاقتصاد الإسرائيلي، أو مثلما يقولون، في "مستقبلنا ومستقبل أولادنا". وهذا التعبير محبّب إلى قلوب الذين ينصّبون أنفسهم أوصياء حريصين على "المصلحة العامة"، وهو تعبير آخر شائع على لسان [البيروقراطيين] الصارمين. وتبعاً لذلك، فإن إيرادات تناهز 600 مليار شيكل حتى العام 2040 من اكتشافات الغاز تبدو مبلغاً هائلاً، لكن بتوزيع سنوي متوسط، يتبين أن هذا المبلغ يمكن أن يسدّ ربما العجز [المالي الأولي] السنوي، لا أكثر من ذلك. لا بل أقل من ذلك.

•حتى إن الدكتور عَدي برندر، نائب رئيس دائرة الأبحاث في بنك إسرائيل المركزي، يعترف بذلك في عرضه التقديمي لهذا العام. وتحت عنوان "من أجل إبقاء الأمور في نصابها الصحيح"، أظهر أن قيمة إنتاج الغاز وإيرادات الدولة بين عامي 2015 و2040 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي تراوح بين 1% و1,5%. وكتب أنه بالنسبة لحجم الاقتصاد المحلي وموازنة الدولة (بما في ذلك صندوق أرباح الغاز)، فإن الحجم المتوقع لعائدات الغاز ليس مؤثراً جداً. فالمبالغ الملحوظة بحسب ما كتبه برندر، لا تغيّر النظام القائم على الصعيد الاقتصادي أو الموازنة العامة. وأوضح أن مجموع استيراد الطاقة (بما في ذلك ما هو للتصدير) يمثل نحو خُمس إجمالي الواردات، وأن نسبة 15% هي لتلبية احتياجات توليد الطاقة الكهربائية- وهذا هو الاستخدام الرئيسي للغاز الطبيعي في كل سيناريو معقول يجري تصوره. وشرح برندر كيف أن الحساب الجاري سيبقى حساساً تجاه تقلبات أسعار النفط، وإن بدرجة أقل.

•وهناك مزايا وفوائد كبيرة لاكتشافات الغاز، مثلما عرضها برندر، مثل: سعر رخيص للطاقة مقارنةً باستيراد بدائل، تخفيض كلفة التغذية بالكهرباء التي تخفف عن كاهل القطاع المنزلي وقطاعي الخدمات والصناعة. كما أن هناك قدرة كامنة على إحلال الغاز الطبيعي كوقود في وسائل النقل. كل هذا جيد وحسن، لكن على حد قول برندر، كلنا ملزمون بوضع الأمور في نصابها الصحيح- هذا لا يجعلنا قوةً عظمَى، أو إمارةً، أو حتى "ميني- قوة". هناك شيء واحد أكيد: إن مبلغ 240 مليار شيكل الذي سيدخل في الموازنة العامة من العام الحالي وحتى العام 2040 (10 مليارات في السنة كمعدل وسطي) سوف يستخدم في سدّ فجوات وثقوب في الموازنة. أما مبلغ 350 مليار شيكل الذي يتوقع أن يتراكم في صندوق الثروة السيادي [SWF] حتى العام 2040 فهو مفتاح الحكاية: إذا لم يخصّص لإغلاق فجوات اجتماعية في إسرائيل، فماذا نكون قد فعلنا؟

 

•أما بالنسبة للأسعار، فإن مقارنة أسعار الغاز مع هذه الدولة أو تلك، لا يمكن إجراءها إذا لم نأخذ في الحسبان بارامترات أساسية للغاية، وهي كثيرة ومتعددة. وهذا هو السبب الذي يفسر أن أسعار الغاز الطبيعي تراوح في أنحاء العالم بين 3 دولارات و15 دولاراً بل أكثر، لكل مليون وحدة حرارية. وتشمل هذه البارامترات كلاً من السياسة المالية [fiscal policy] للدولة (النظام الضريبي المطبق أو حتى نظام الدعم)، وتكاليف استخراج الغاز، سواء على اليابسة أو في البحر، في المياه الضحلة أو على عمق كبير، واستخراج الغاز بطريقة تقليدية أو من الزيت الصخري، وأنواع الغاز، ومستوى التطوير، ومستوى البنية التحتية، والتقلبات الموسمية، وهلم جراً. وبالطبع هناك البارامترات المعتادة التي يتكلمون عنها: عرض وطلب، وتنافس بين مزوّدي الغاز. وعليه، يطرح كل طرف في هذا النقاش ما يلائمه، لأنه في الواقع يصعب علينا أن نجد دولةً تكون بارامتراتها مطابقةً للبارامترات الإسرائيلية. إن النظام الضريبي في إسرائيل المطبق على قطاع الغاز مرتبطٌ بقيود، وعلى نحو مؤثر بسعر الغاز النهائي (السعر الذي يكسب منه المستثمرون ربحاً وفيراً). وإن من يطالب بسعرٍ منخفضٍ للغاز بشكل ملحوظ قياساً للسعر الحالي (5,5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية)، عليه أن يعي ذلك ولا يحلم بمستوى 3 دولارات مثلما يحلم بعض المتحدثين في النقاش العام حول مسألة الغاز. إن مبلغ 3 دولارات أكثر أو أقل، هو ما يقارب قيمة مدخول الدولة من بيع كل مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي. فهل يعقل أن تتخلى عنها؟

 

 

المزيد ضمن العدد 2150