•من الصعب أن نشرح كيف لم تتنبّه صحافة الاشاعات إلى قصة حب هذا العام، أي عودة العلاقة بين إسرائيل و"حماس". صحيح أننا نعرف أن ما يجذب "حماس" إلى إسرائيل هو المال، وأن ما يجذب إسرائيل بصورة أساسية نفاذ البصيرة العسكرية التي أظهرتها "حماس"، لكن الأحلام بدأت تتكون، تهدئة لمدة خمس سنوات وربما حتى عشر سنوات، فتح المعابر أمام مواد البناء، إنشاء مرفأ وربما السماح باستخدام المطار.

•ما الذي يمكن أن يكون أفضل من زواج المصلحة هذا، خاصة بعد أن منحت مصر "حماس"، وليس جناحها العسكري، مكانة تنظيم شرعي. "يجب علينا التحدث مع حماس" دعوات تشجيعية  نسمعها الآن من جميع الاتجاهات. وهذه الدعوة موجهة بصورة جيدة نحو التحدث مع "حماس" وليس مع الفلسطينيين، ولا مع محمود عباس، ولا مع السلطة الفلسطينية، فهؤلاء ليسوا شركاء البتة.

•إن الذي يدعو إلى التحدث مع "حماس" والالتفاف على عملية السلام ينسى درس الانسحاب من القطاع [حزيران/يونيو 2005]، لذا علينا التذكير ببعض الأمور.

•ليس جرّاء الانسحاب بدأت "حماس" بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. فقد أطلقت الحركة النار على إسرائيل ونفذت هجمات ضد المستوطنين الذين كانوا موجودين في غزة قبل ذلك. وأدى ذلك إلى توجيه الجيش الإسرائيلي قواته كي تتواجد بكثافة شوارع غزة بحيث لم يعد لديه المجال للقيام بنشاطات أخرى. وقد سئم الجمهور الإسرائيلي من حاجة 7000 مستوطن [في غزة] إلى حماية ألوية كاملة من الجيش، وفي النهاية قرر أريئيل شارون الانسحاب من القطاع، ليس كمحاولة لإقامة نموذج أولي هناك لدولة فلسطينية مستقلة، بل كي يظل قادراً على الاحتفاظ بالضفة الغربية والقدس الشرقية.

•كان هذا [الانسحاب من غزة] خطوة أحادية الجانب من دون مفاوضات لا مع "حماس" ولا مع السلطة الفلسطينية. لا بل على العكس من ذلك، فقد قاطعت إسرائيل الحكومة الموحدة مع "حماس" بعد الانتخابات التي جرت في 2006، تماماً مثلما قاطعت محمود عباس بعد تشكيله حكومة التوافق بعد المصالحة مع "حماس". وقررت إسرائيل أنه ما لم ينجح عباس في السيطرة على "حماس" فلا يمكن الحديث معه عن السلام. وكانت هذه كذبة تريد أن تقنعنا بأنه إذا نجح عباس في "السيطرة" على "حماس"، فإن إسرائيل ستكون مستعدة لترسيم حدودها وإخلاء مستوطنات وتقسيم القدس، وهكذا كانت "حماس" حجة ملائمة.

•واليوم مرة أخرى ستلعب "حماس" دور المنقذ الذي تستطيع بواسطته إسرائيل التهرب من مفاوضات سياسية بثمن رخيص. فلا حاجة للتحدث مع "حماس" عن اخلاء مستوطنات أو انسحاب، و"حماس" لا تنوي التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، ولا علاقة لها بالمقاطعة التي تتوسع ضد إسرائيل. وإجمالاً، فإن الحركة ليست متحمسة لأي اتفاق سلام مع إسرائيل. وهكذا ستحصل "حماس" وغزة على الهدوء، وفي المقابل تستطيع إسرائيل القول إن هناك هدوءاً في غزة ولا ضرورة للدفع قدماً بعملية السلام.

•هذا هو جوهر الكذبة بشأن التحدث مع "حماس". لكن في مثل وضع كهذا من المهم ألا ننسى أن الحركة تلعب دور الزوجة المعنفة، وهي مسجونة داخل غيتو محاط بسياج مكهرب، ولا يسمح لسكان القطاع بالذهاب متى شاؤوا إلى الضفة. والتصدير من غزة ضئيل، والمحصول يجف في الحقول. أما المساعدة التي جرى التعهد بها في تشرين الأول/أكتوبر 2014 فلم تخرج من جيوب الدول المانحة. والشاحنات التي تحمل البضائع من إسرائيل لا تغطي ربع الاستهلاك. وأكثر من 50% من المواطنين عاطلون عن العمل، ولا يستطيع الطلاب اكمال تعليمهم، وهناك عشرات الآلاف من دون منازل بسبب عملية "الجرف الصامد" التي طبقت خطة "اخلاء من دون بناء".

•كل هذا تتجاهله إسرائيل. وهي تقيس الهدوء في غزة وفق مقياس واحد هو عدد الصواريخ التي تطلق من القطاع. وهذا المقياس يعتمد على ميزان الردع، وإسرائيل مقتنعة بأن هذا المقياس أقوى من ميزان اليأس. لكن ليس للهدوء في غزة حياة خاصة به، وهو بحاجة إلى بنية تحتية تضمن بقاءه، كما أنه لا يستطيع أن يكون بديلاً لعملية سياسية شاملة.