معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•شهدت المواجهة بين حركة "حماس" وعناصر الجهاد السلفي، من مؤيدي تنظيم "الدولة الإسلامية"، تصعيداً ملحوظاً في قطاع غزة في الآونة الأخيرة، إذ سُجّل إطلاق نار بين الطرفين من أسلحة خفيفة، وتم زرع متفجرات في مبان عامة، كما نُفذت هجمات صاروخية في مدن قطاع غزة وفي اتجاه إسرائيل. وقد كانت المواجهة التي وقعت بين عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" وبين الفلسطينيين المقيمين بمخيم اليرموك للاجئين في سورية، وضمنهم جماعة "حماس"، شاهدة على تصعيد التوتر بين الطرفين. ونتيجة ذلك، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة "حماس" في قطاع غزة عشرات الناشطين السلفيين، ودمرت مسجداً تابعاً لهم في دير البلح. وفي المقابل، هدد ناطقون بلسان "جماعة أنصار الدولة الإسلامية" بفتح معركة شاملة على جميع الجبهات في حال لم تطلق حركة "حماس" المعتقلين (خلال 72 ساعة، بحسب التصريح)، إلاّ إن هذه التهديدات لم تنفذ حتى الآن.
•لا يُعدّ التوتر بين حركة "حماس" وبين تنظيمات تنتمي إلى التيار السلفي الجهادي في قطاع غزة وتنشط في إطاره وتحت إمرته ظاهرة جديدة، إذ أدت الاختلافات الأيديولوجية بشأن كيفية إدارة نمط الحياة في قطاع غزة بين حركة "حماس" - البراغماتية التي تنتمي إلى تيار جماعة الإخوان المسلمين - وبين التنظيمات التابعة للتيار السلفي الجهادي - التي تطالب بتطبيق فوري لقوانين الشريعة وبفرضها على سكان قطاع غزة- إلى خلافات حادة، لا بل إلى مواجهات عنيفة بين الطرفين تجلت، بصورة واضحة، في آب/أغسطس 2009 في مسجد رفح الذي كان بإدارة الشيخ عبد اللطيف موسى، رئيس تنظيم "جند أنصار الله"، إذ أعلن الشيخ عبد اللطيف إنشاء إمارة إسلامية في قطاع غزة متحدياً هيمنة حكومة "حماس" على القطاع، كما حاول توحيد الفصائل السلفية كافة في قطاع غزة في إطار واحد. وقد ردت "حماس" على ما اعتبرته تمرداً ضد سلطتها، باستخدام القوة العسكرية ضد الشيخ وجماعته فقتلت منهم نحو 20 عنصراً. ومنذ ذلك الحين، حرص الجانبان على الحفاظ على تعايش متوتر ومشدود يشهد "صعوداً وهبوطاً"، ويرتكز أساساً على إدراك الجانب السلفي الجهادي أنه لا ينبغي شد الحبل أكثر من اللازم في مواجهة "حماس".
•من جهة أُخرى، فإن إعلان أبو بكر البغدادي قيام "الدولة الإسلامية" وتنصيب نفسه خليفة، قبل نحو عام، دفعا تنظيمات جهادية سلفية عديدة في قطاع غزة إلى إعلان تأييدها تنظيم "الدولة الإسلامية"، وحتى أن بعضها بايع [أبو بكر] البغدادي، مثل "مجلس شورى المجاهدين"، و"أنصار الدولة الإسلامية"، و"أنصار الشريعة بيت المقدس"، و"النصرة المقدسية"، و"للدولة الإسلامية". لكن هذه التنظيمات فشلت حتى الآن في التوحد تحت سقف قيادة واحدة من أجل الفوز بدعم تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكي تصبح جزءاً من الخلافة المرجوة والتي هي في قيد التشكل - على غرار "ولاية سيناء" (بقيادة "أنصار بيت المقدس")، وولاية غرب أفريقيا (بقيادة "بوكو حرام")، وذلك لأسباب منها التعصب للتنظيم الخاص، والانشقاقات، اللذين يميزان التنظيمات الناشطة في قطاع غزة، فضلاً عن عدم قدرة هذه التنظيمات على إيجاد منطقة مستقلة ذاتياً خاضعة لقوانين الشريعة بموجب فتاوى "الدولة الإسلامية"، الأمر الذي يفسر قتالها غير المجدي، سواء ضد حركة "حماس" أو ضد إسرائيل.
•وبصورة عامة، فإن القومية الدينية الفلسطينية، بصفتها قضية منفصلة، مرفوضة من تنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ، بحسب هذا التنظيم، سيأتي الحل الإقليمي [المتعلق بأرض فلسطين] لهذه القضية من خلال تطبيق الشريعة على منطقة النزاع برمتها، وربما كجزء من "ولاية سيناء". والجدير بالذكر، أن أشخاصاً من قطاع غزة، وبعضهم أعضاء سابقين في حركة "حماس"، يتولون مراكز قيادية في "ولاية سيناء"، ويشكل قطاع غزة، بالنسبة إلى التنظيم، قاعدةَ تجنيد وتدريب وملجأ لأعضائه. فعلى سبيل المثال، أُفيد بأن [الشيخ] شادي المنيعي، أحد قادة "أنصار بيت المقدس"، و[الشيخ] عبد الله الأشقر، قائد "مجلس شورى المجاهدين"، يختبئان في قطاع غزة هرباً من قوات الأمن المصرية. من هنا، لا يبدو أن مبايعة "الدولة الإسلامية" والتماهي معها من جانب التنظيمات السلفية الجهادية في قطاع غزة تلقى تأييداً من قيادة "الدولة الإسلامية"، كذلك لا تتلقى هذه الفصائل أي مساعدة عسكرية أو اقتصادية من القيادة في المعركة التي تخوضها في مواجهة حركة "حماس"، أو في مواجهة إسرائيل.
•ولا يمكن وضع الهجمات المتفرقة انطلاقاً من أراضي شبه جزيرة سيناء، والتي نفذها تنظيم "أنصار بيت المقدس" في أثناء المواجهة بين إسرائيل و"حماس" في صيف سنة 2014، في خانة دعم مهم للنضال الفلسطيني بصورة عامة، ولتنظيمات الجهاد السلفي بصورة خاصة. علاوة على ذلك، لا يلاحظ حتى الآن أي نشاط متزايد من أي نوع كان لتنظيم "الدولة الإسلامية" بهدف تصعيد المعركة ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضي القطاع.
•طبعاً، تولي إسرائيل اهتماماً كبيراً للمواجهة الدائرة في قطاع غزة بين حركة "حماس" وبين الجماعات السلفية الجهادية، وخاصة لاحتمال أن تقوم هذه الجماعات بتأسيس بنية تحتية في القطاع، أو تصبح امتداداً لتنظيم "الدولة الإسلامية" بدعم من البغدادي، الأمر الذي قد يمتد إلى مجالها. وتجدر الإشارة إلى أن جزءاً من الحجج التي تسوقها التنظيمات السلفية الجهادية ضد حركة "حماس" يتركّز على مطالبة الحركة بالتخلي عن سياسة التضييق العسكري، وبالتوقف عن وضع عقبات في وجه محاولات هذه التنظيمات تنفيذ هجمات صاروخية وعمليات إرهابية ضد إسرائيل. وعلى الرغم من نشاط حركة "حماس" العدائي ضد معارضيها السلفيين الجهاديين في قطاع غزة، فإن من شأن المواجهة وجهاً لوجه بين المعسكرين أن تغذي انتقادات سكان القطاع لحركة "حماس"، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في المنطقة، والجمود على صعيد إعادة إعمار القطاع الناجم عن الدمار الواسع الذي تعرض له في عملية "الجرف الصامد". ومن شأن اتساع رقعة الانتقادات والاحتجاجات من جانب المعارضة في قطاع غزة أن يفاقم الضغط على قيادة "حماس" في اتجاه تسخين جبهة الحدود مع إسرائيل، وذلك بهدف القول إن الوضع الاقتصادي والإنساني في القطاع، وغياب أي إشارة إلى تغيير قريب لمنفعة "حماس" [الحركة] لا يمكن أن يستمرا إلى ما لا نهاية، وإن خيارَ استئناف الهجمات الصاروخية من جانب فصائل متعددة ناشطة في القطاع، وبينها التنظيمات الجهادية السلفية، لا يزال صائباً ومطروحاً.
•إن الوضع المعقد والمناخ التهديدي اللذين أوجدهما صعود "الدولة الإسلامية" في منطقة الشرق الأوسط، أديــا إلى نشوء ديناميــة مصالح مشتركة عرضية (ad hoc)، تشمل دولاً وتنظيمات مارقة ليس لها شرعية دولية، على غرار حزب الله وحتى تنظيم القاعدة وجبهة النصرة السورية التابعة لها. فعلى خلفية الحرب الأهلية الدائرة في سورية، يقاتل كل من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وحزب الله الذي يحارب إلى جانب قوات بشار الأسد، كل على حدة، تنظيم الدولة الإسلامية، فضلاً عن التقاء مصالح لهذا الغرض بالذات بين إسرائيل وحركة "حماس" جراء رغبة كل منهما، ولأسبابه الخاصة، في كبح صعود نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في قطاع غزة، والذي من شأنه أن يتمدد وصولاً إلى الضفة الغربية.
•ولعل من الممكن، في إطار الجهد المبذول لكبح توسع نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في قطاع غزة، وفي شبه جزيرة سيناء، أن ينشأ تعاون غير مباشر وغير ظاهر بين "حماس" ومصر من جهة، وبين "حماس" وإسرائيل من جهة أُخرى، وذلك على الرغم من أن مصر تتهم علناً حركة "حماس" بتقديم المساعدة لناشطي جماعة "أنصار بيت المقدس - ولاية سيناء"، وبالتستر عليهم، بدلاً من اعتقالهم وتسليمهم إليها. ومن الممكن، إذا تصرفت حركة "حماس" بطريقة حازمة وفعالة وشاملة ضد نشاط التنظيمات السلفية في شبه جزيرة سيناء وداخل القطاع، أن يطرأ تحسن بالتدريج على الموقف المتصلب الذي يبديه نظام المشير عبد الفتاح السيسي إزاء حركة "حماس". أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فإن وقفاً تاماً للهجمات الصاروخية من قطاع غزة في اتجاهها، والتي تنفذها تنظيمات مارقة، وعلى رأسها تنظيمات الجهاد السلفي، هو من وجهة نظرها شرط أساسي لمواصلة تخفيف القيود المفروضة على السماح بتسريع إعادة الإعمار في قطاع غزة.
•وإذا أثبتت حركة "حماس" أنها جاهزة للدخول في عملية تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل، وأنها ستساعد في الحملة الإقليمية الدائرة لكبح توسع تنظيم الدولة الإسلامية، فقد تكسب نقاط ثقة من شأنها أن توازن بعض الشيء صورتها السلبية؛ هذه الصورة التي تراجعت في أرجاء منطقة الشرق الأوسط في أعقاب مواجهتها مع إسرائيل في الصيف الماضي.