معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•على خلفية الجمود في العملية السياسية مع الفلسطينيين وتصاعد درجة المخاطر الأمنية على إسرائيل من جراء تزايد قوة العناصر الإسلامية الراديكالية والتصعيد في النزاعات التي تخوضها، تزايدت الأصوات في وسط الجمهور الإسرائيلي التي تطالب بالتعامل بجدية مع "المبادرة العربية" كأساس للمفاوضات بين إسرائيل وجيرانها. من جهتها تحاول السعودية ودول الخليج، على الأقل على مستوى التصريحات، كما تحاول أطراف في المجتمع الدولي، إحياء المبادرة وعرضها على إسرائيل كأساس مناسب لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
•في الأساس يطالب اقتراح الجامعة العربية إسرائيل بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها في العام 1967 بما في ذلك هضبة الجولان، إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 (بما في ذلك ما بقي من الأراضي اللبنانية المحتلة في جنوب لبنان)؛ وبتحقيق حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بالاستناد إلى قرار الأمم المتحدة 194 (ورفض حل بموجبه يتم منح الجنسية للاجئين في الدول التي تستضيفهم)؛ والموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في المناطق التي احتلت في 4 حزيران/يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. في المقابل، تعلن الدول العربية عن نهاية النزاع الإسرائيلي - العربي وتوقع اتفاق سلام مع إسرائيل وتقيم معها علاقات "عادية".
•إن السؤال الذي يطرح اليوم هو إلى أي حد ما تزال شروط المبادرة العربية قائمة؟ لقد اشترطت الجامعة العربية اقامة العلاقات مع إسرائيل بعد تنفيذ مبادئ المبادرة، وليس قبل تحقق هذه الشروط أو خلال تنفيذها، وهي [الجامعة العربية] ليست مستعدة في الوقت الراهن لإجراء محادثات مع إسرائيل من أجل تغيير صيغة المبادرة أو تبني صيغة توافق عليها إسرائيل. صحيح أنه بعد المعركة التي جرت بين إسرائيل و"حماس" في صيف 2014، أي بعد عملية "الجرف الصامد"، ألمح السعوديون إلى أن المبادرة بالنسبة إليهم ما تزال مطروحة على "الطاولة" وأنه من الممكن ادخال تعديلات عليها تتلاءم مع تغيرات الوضع الإقليمي، بما في ذلك ادخال مبدأ تبادل أراض. لكن على الرغم من ذلك، فليس هناك أي دليل على أن الجامعة العربية مستعدة لأن تعتبر المبادرة أساساً لنقاش مشترك مع إسرائيل يتعلق بإدخال تعديلات على مبادئها.
•ويجدر التذكير أنه بالاستناد إلى تقارير أجنبية، تقيم إسرائيل علاقات وتعاون مع عدد من الدول العربية المهمة التي ليست لديها معها اتفاقات سلام. وحتى الآن استفادت هذه الدول من علاقاتها مع إسرائيل من دون أن يطلب منها أن تدفع شيئاً في المقابل على صعيد الرأي العام العربي الذي يعارض إقامة علاقات مع إسرائيل بصورة عامة، ولا سيما من دون حدوث تقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين. ومن هنا، فإن محاولة اخراج هذه العلاقات إلى العلن من دون تقدم حقيقي في المفاوضات مع الفلسطينيين قد يضر بهذه الدول. ويمكننا التقدير أنه حتى لو جرى تسريع المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن التفضيل الواضح لهذه الدول مواكبة العملية "من الخارج".
•على هذا الصعيد يُطرح السؤال: إلى أي حد تُعتبر "عناصر التطبيع" المختلفة مثل السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق فوق شبة الجزيرة العربية أو فتح ممثليات تجارية في دول عربية، في نظر الجمهور الإسرائيلي، كدليل كاف على استعداد [عربي] للمضي قدماً نحو إقامة علاقات؟ في نهاية الأمر، فإن أثمان التسوية مع الفلسطينيين والخطر الذي تنطوي عليه ستكون كبيرة جداً من وجهة نظر إسرائيل بالمقارنة مع نتائج وأثمان اتفاقات السلام الموقعة بينها وبين مصر والأردن. ففي النهاية كل من مصر والأردن دولة ذات سيادة ومسؤولة وقعت اتفاق سلام، في حين أن الدولة الفلسطينية التي ستنشأ نتيجة الاتفاق، إذا أنشئت، سيكون أمامها طريق طويل كي تثبت نياتها وقدرتها على التصرف حسب التعهدات الدولية والاتفاقات.
•لذا من الأفضل أن تعلن إسرائيل رؤيتها حيال المبادرة العربية كأساس لمفاوضات تجري خلالها مناقشة ووضع مبادئ متفق عليها لاتفاق إقليمي يستند إلى نظام أمني إقليمي تكون فيه القضية الفلسطينية عنصراً أو جزءاً من الإطار الإقليمي الشامل، وليست قضية قائمة بحد ذاتها. كما يتعين على إسرائيل أن تقترح كيف يمكن تحويل المبادرة العربية المتفق عليها بعد مفاوضات بين الأطراف وتعديلات يفرضها [الواقع المتغير] على التعهدات (مثل كيفية التعامل مع هضبة الجولان مع تفكك سورية)، إلى نوع من تفكير منهجي جديد يلزم العالم العربي من بين أمور أخرى، تحمل مسؤولية أساسية حيال المشكلة الفلسطينية. إن مبادرة عربية متفقاً عليها قد تكون ذات أهمية استراتيجية إيجابية إذا استطاعت أن تدفع الدول العربية البراغماتية بزعامة مصر والسعودية والأردن، إلى جعل القضية الفلسطينية عاملاً "مسيطراً عليه" في المنظومة الإقليمية الجديدة الآخذة في التبلور، أي إذا استطاعت جعلها تأخذ على عاتقها مسؤولية الحؤول دون انحراف أو خروج فلسطيني عن التسوية الناشئة.
•تبقى هناك معضلة مطروحة على جدول الأعمال من وجهة نظر إسرائيل، هي الواقع الإقليمي المتغير. فحتى لو توصلت الأطراف إلى اتفاقات وتسويات، فليس من الواضح بتاتاً كيف ستتمكن الحكومات في العالم العربي في وضعه الحالي من الالتزام بها. فالعديد من هذه الحكومات ضعف في السنوات الأخيرة، وحكومات أخرى قد تضعف مستقبلاً بحيث سيكون من الصعب عليها القيام بدورها في الاتفاق مع إسرائيل، هذا إن جرى التوصل إليه، على أساس، المبادرة العربية.
•صحيح أن ضعف العالم العربي اليوم يعتبر في نظر البعض مناسبة ملائمة وفرصة استراتيجية من أجل تحسين وضع إسرائيل الإقليمي من خلال الدفع قدماً بالتعاون مع بعض الدول العربية التي لديها مخاوف ومصالح مشابهة [لمصالح إسرائيل] حيال إيران والمحور الشيعي الذي تقوده إيران، وحيال قوى دولتية وغير دولتية متعاطفة مع الإسلام الراديكالي، لكن في مقابل هؤلاء هناك من يعتقد أن ضعف الدول العربية، وفي ذروة تفكك النظام الإقليمي، ليس الآن هو الوقت الملائم لمحاولة الاتفاق معها على ترتيبات بعيدة المدى، لأنه من المتوقع أن تلاقي هذه الدول صعوبة حقيقية في تنفيذ هذه الاتفاقات مع إسرائيل إذا جرى التوصل إليها. علاوة على ذلك، من غير الواضح كيف ستؤثر التغيرات الإقليمية على حجم المرونة التي سيكون العالم العربي مستعداً لإظهارها في ما يتعلق بالمبادرة.
•حتى الآن، فإن المصلحة الإسرائيلية التي توجه المسعى الإسرائيلي من أجل التوصل إلى صيغة ملائمة ومتفق عليها للمبادرة العربية لم تتغير. إن هذه الصيغة يمكن أن تصبح أساساً منطقياً موجهاً لمنظومة إقليمية أكثر استقرراً تتضمن تسوية متفقاً عليها للمشكلة الفلسطينية. كما أن الاستعداد العربي لمناقشة المبادرة وملاءمتها مع الواقع المتغير في الشرق الأوسط، سيسهل على إسرائيل القيام بخطوات مهمة حيال الساحة الفلسطينية من شأنها بناء الثقة، وتوجيه الدعم الدولي المبدئي لتسوية إسرائيلية - فلسطينية نحو اتفاق إقليمي إسرائيلي – عربي يستند إلى توجه متعدد الأطراف.
•ويبدو أن التوجه المتعدد الأطراف الذي يستند إلى المبادرة العربية في صيغتها المعدلة والمتفق عليها، سيكون أفضل من التركيز على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني الثنائي الذي يبدو ميؤوسا منه في الظروف الراهنة.