انعكاسات معركة درعا لن تنحصر بسورية بل ستتعداها إلى الأردن وإسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•تنطوي المعارك الدائرة منذ مطلع شباط/فبراير 2015 في منطقة درعا جنوب سورية بين الجيش السوري وقوات [فيلق] القدس الإيرانية وحزب الله، وقوات مختلفة تابعة لمجموعات وتنظيمات الثوار، على أهمية إقليمية واضحة بالنسبة لللاعبين المتورطين في القتال وغير المتورطين فيه. وتُخاض هذه المعارك كجزء من الصراع للسيطرة على مثلث دمشق – القنيطرة – درعا الذي يشكل منطقة حيوية، سواء كان الهدف تحصين نظام الأسد أو [من جهة أخرى] إسقاطه. وتعلق الأطراف المتقاتلة أهمية كبيرة على نتائج المعركة التي سميت في سورية "أم المعارك"، ويقصدون بذلك أنها معركة طويلة وقاسية لن تنتهي قبل تحقيق الحسم (هذا إن أمكن ذلك). ومدينة درعا نفسها الواقعة في الجزء الجنوبي من المنطقة المعروفة باسم "حوران" أو "الجولان السوري" لها أهمية كبيرة على الرغم من أن معظم المعارك تدور في المنطقة الريفية الواقعة شمالها، وذلك لكونها المكان الذي انطلقت منه الحرب في سورية في آذار/مارس 2011. لذا، فالحسم في المعركة يمكن أن يبشر أيضاً بأن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الحرب قد ينتهي مستقبلاً، وأن المنتصر هو الذي سيحظى بالقوة والهيبة الضروريتين في الصراع الدائر في سورية.

•"المحور": في نظر "المحور" الذي تقوده طهران ويشمل أيضاَ نظام الأسد وحزب الله، فإن هدف معركة درعا تحقيق عدة إنجازات. في النطاق الواسع والشامل ما يجري هو جزء من  الاستراتيجية الإيرانية الحالية التي في إطارها تخرج قواتها "إلى العلن" وتنشئ واقعاً يكون فيه للجمهورية الإسلامية انتشار عسكري واضح في نقاط عديدة في الشرق الأوسط، مثلما جرى في العراق واليمن ولبنان. وكجزء من هذه السياسة جرى توثيق ونشر خبر زيارة قائد قوة القدس قاسم سليماني إلى منطقة درعا، وهو جاء كي يأخذ فكرة من قرب عن نشاط قواته، وكي يوضح الأهمية التي تعلقها إيران على المعركة الدائرة في المنطقة.

•على الصعيد العملي يدرك عناصر "المحور" أنه إذا استمرت سيطرة المتمردين على أغلبية أراضي محافظة درعا، فإن هذا سيشكل خطراً حقيقياً على دمشق التي تبعد عشرات الكيلومترات إلى الشمال. وإلى ذلك، فإن هذه المنطقة تشكل ركيزة الجبهة السورية المباشرة في مواجهة إسرائيل. وفي الواقع، فإن اغتيال عناصر من حزب الله ومن قوة القدس بالقرب من القنيطرة في كانون الثاني/ يناير 2015 الذي نُسب إلى إسرائيل، ورد حزب الله عليه بإطلاق النار على إسرائيل في منطقة الغجر، كشفا المسعى المتواصل الذي يقوم به حزب الله بدعم من إيران من أجل إنشاء بنية تحتية عسكرية في هضبة الجولان. يحاول "المحور" السيطرة على المنطقة القريبة من الحدود مع إسرائيل، التي تضم أيضاً محافظة القنيطرة (التي هي أصغر من محافظة درعا وتقع غربها) والتي حتى بدء هجوم "المحور" في شباط/فبراير هذه السنة كانت في أغلبيتها خاضعة لسيطرة الثوار من مختلف الفصائل.

•لذا فإن بروز جبهة تحت سيطرة "المحور" في محافظة درعا سيساعد في بلورة معادلة جديدة في مواجهة إسرائيل تربط هذه المنطقة من خلال جبل الشيخ السوري بالجنوب اللبناني وتوفر بعداً استراتيجياً لحزب الله.

•الثوار ضد النظام: في نظر الثوار المعركة في درعا هي معركة وجود. ففي مختلف أنحاء سورية، والأصح في الوحدات الجغرافية التي بقيت بعد دمار الدولة، نشأ توازن من دون حسم في الأفق بينهم وبين النظام. كما أن صعوبة توحد المجموعات الكثيرة التي تقاتل ضد النظام من أجل القيام بعملية منسّقة وكبيرة من أجل إسقاط الأسد، هي من الأسباب الأساسية في نجاح الرئيس السوري بمساعدة حلفائه في المحافظة على منصبه وعلى مراكز سيطرته. على هذه الخلفية، فإن الجبهة الجنوبية التي مركزها درعا هي من رموز نجاح الثوار. وقد نجحت الفصائل المختلفة وأبرزها التابعة للجيش السوري الحر وجزء صغير موال لـ"جبهة النصرة" في التعاون في ما بينهم والاستيلاء من بين يدي الجيش السوري المفكك على معظم محافظتي درعا والقنيطرة. 

•إن قدرة الثوار على النجاح في الصمود في مواجهة التحرك العسكري المكثف "للمحور" في إقليم درعا ستكون دليلاً على قوتهم ومستقبلهم. فإذا أفلحوا في صد الهجوم كما فعلوا حتى الآن، فإن معارضتهم للأسد ستقوى وكذلك قدرتهم على المحافظة على التعاون فيما بينهم من أجل الهدف المشترك. في المقابل، فإن الهزيمة ستشكل ضربة قاسية لنفوذهم في جنوب الدولة. حتى الآن، فإن تنظيم "داعش" الذي هو خصم أغلبية التنظيمات في الجبهة الجنوبية، لم يحصل على موقع قدم مهم في المنطقة، لكنه حصل على دعم سكان مدينتين وأطراف أخرى هناك. ومن بين هؤلاء "لواء شهداء اليرموك" السلفي الذي ينشط جنوب الجولان السوري والذي بايع "داعش"، وعملياته العسكرية في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق دليل على نياته وقدراته. إذا خسر الثوار المعركة في درعا، فمن المحتمل أن يزداد نفوذ "داعش" بالتدريج في هذه المنطقة.

•ستكون للمعركة في درعا نتائج كثيرة ليس فقط تلك المتعلقة بالسيطرة على الجبهة الجنوبية من أرض سورية، بل سيكون لها انعكاساتها على جبهات أخرى وعلى لاعبين لا يشاركون مباشرة في المعارك، بينهم الأردن وإسرائيل اللذان يراقبان ما يجري في المنطقة من كثب.

•توجد مدينة درعا على بعد بضعة كيلومترات من الحدود بين سورية والأردن. وأغلبية سكانها من السنة ولهم علاقة تاريخية مع الجانب الجنوبي من الحدود. حتى الآن ما يحدث في درعا دفع الأردن إلى إقامة نقطة عبور حتمية للاجئين السوريين (الذين يقدر عددهم بمليون لاجئ). وسمح تعاون الأردنيين مع الجيش السوري الحر، وبخاصة على الصعيد الاستخباراتي، للمملكة في احتواء انزلاق الإرهاب الأصولي للتنظيمات الجهادية - السلفية من سورية إلى الأردن. لكن نظراً الى احتدام التوترات الداخلية التي تهدد استقرار المملكة وخاصة بعد اعدام "داعش" للطيار الأردني، ازداد اصرار العائلة الهاشمية المالكة على منع القتال في سورية من التمدد جنوباً، ومنع "المحور" من السيطرة على المنطقة. فأي تطور في هذا الاتجاه سيهدد المصالح الأردنية سواء من خلال انتشار إيراني معاد على الحدود، أو من خلال الخطر الذي ينطوي عليه ازدياد نفوذ "داعش" وسط الثوار المنهزمين.

•كما تشعر إسرائيل بالقلق من احتمال احتلال قوات حزب الله وإيران لمحافظة درعا. فإذا حدث ذلك، فإن خطر "المحور" عليها سيصبح ملموساً وينطوي على احتمال وضع متفجر أخطر بكثير مما هو عليه الوضع الحالي حيث لا منتصر واضحاً في المعركة. 

•إن انتصار "المحور" سيمنح الهدوء لنظام الأسد وسيرسخ القاعدة الجنوبية بمراكزها التجارية والديمغرافية لـ"سورية الصغرى" (حلب- اللاذقية- حماه- حمص- دمشق- درعا)، وسيعمق من تبعية الأسد لإيران وحزب الله، وسيزيد من التخوف الإسرائيلي والأردني من تمركز هذه القوات بالقرب من الحدود في هضبة الجولان السورية. 

•في المقابل، فإن انتصار الثوار في المعارك في محافظة درعا أو عدم الحسم سيبقي المعادلة القائمة حالياً في المنطقة كما هي عليه. وهذا الوضع أفضل بالنسبة لإسرائيل والأردن، لكنه سيشكل مشكلة "للمحور" حيث إلى الشمال من هناك وعلى الحدود السورية - اللبنانية تدور المعارك بينه وبين القوات الإسلامية السلفية بقيادة "داعش" وجبهة النصرة. 

•إن خسارة حزب الله في الجبهة الجنوبية من خط الحدود أي في محافظة درعا، لن يعرض دمشق للخطر فحسب، بل وأيضاً سيهدد الحزب اللبناني في عقر داره، إذ سوف ينشأ في لبنان واقع مختلف تماماً عن الوضع الموجود اليوم هناك، وسيضطر حزب الله إلى الدفاع عن مكانته. ولكن من جهة أخرى، وعلى المدى البعيد، ستضطر إسرائيل إلى مواجهة قوات فصائل الثوار السوريين الذين ستزداد قوتهم في هضبة الجولان.

 

•إن اتجاهات التطورات المحتملة في محافظة درعا مع نتائجها مستقبلاً على سورية بصورة عامة، سواء انتصر المحور أو الثوار أو استمر عدم الحسم، لن تكون مريحة بالنسبة لإسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، يمكن تقدير أن الانعكاسات الاشكالية لانتصار "المحور" ستكون مباشرة أكثر من التحدي الذي سيشكله انتصار قوات الثوار.