مئير داغان رئيس الموساد السابق في مقابلة خاصة: نتنياهو ألحق الضرر الاستراتيجي الأكبر بإسرائيل في الموضوع الإيراني
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•يؤكد مئير داغان [رئيس جهاز الموساد السابق] أنه مدين بالمعروف لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ويؤكد في مستهل هذه المقابلة التي أجريناها معه يوم الأربعاء الفائت (25/2/2015): "عندما مرضت احتجت إلى عملية زراعة كبد، وقد هرع نتنياهو لمساعدتي. ليس عندي أي ضغينة شخصية تجاهه بل على العكس". وعلى الرغم من ذلك، قرر داغان أن يوجّه أقوالاً قاسية وخطرة عشية سفر نتنياهو إلى واشنطن [لإلقاء خطاب حول إيران أمام الكونغرس من وراء ظهر الإدارة الأميركية].

•تولى داغان منصب رئيس الموساد أثناء ولايات رؤساء الحكومة أريئيل شارون وإيهود أولمرت ونتنياهو، وهو شخص ذو سجل أمنيّ حافل ونفوذ كبير، لكنه الآن مواطن إسرائيلي قلق للغاية. وفي هذا الشأن قال: "الأسبوع الفائت بلغت السبعين، جميع أولادي يعيشون في البلد، وكذلك جميع أحفادي، وأريد لسلالتي أن تستمر".

•داغان ليس يسارياً قطّ، وكل من يعرف سيرته الذاتية يشهد على ذلك. وهو يشاطر نتنياهو قلقه إزاء الموضوع الإيراني ويؤكد أن "تحوّل إيران إلى دولة نووية واقع لا يمكن لإسرائيل أن تسلم به"، لكن في الوقت عينه يشدّد على أن الطريقة التي يتعامل بها نتنياهو مع هذا الموضوع ستقربنا من هذا الواقع. ويضيف "إن من ألحق الضرر الاستراتيجي الأكبر بإسرائيل في الموضوع الإيراني هو رئيس الحكومة".

•سؤال: غير أن المشروع النووي الإيراني بدأ قبل عهد نتنياهو؟.

•داغان: سنة 1998 لاحظنا مؤشرات أولى على سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، لكن فقط سنة 2002 - 2003، في إبان ولاية حكومة شارون، بدأنا نفهم هول هذا التحدي. وفي حينه عقدت مداولات، وقالت المحافل المهنية في جهاز الأمن لشارون إن المشكلة ليست متعلقة بإسرائيل فقط بل أيضاً بالعالم أجمع. وأوصت هذه المحافل شارون بأن تبقى إسرائيل في الظل وألا تتصدّر المعركة ضد إيران وقبل شارون هذه التوصية وعمل وفقاً لها. كما جرت مداولات شبيهة في إبان ولاية حكومة أولمرت وخلالها أقرت سياسة البقاء في الظل من جديد. إن 65% من احتياطات النفط في العالم موجودة في أراضي إيران والدول المحيطة بها، وبناء على ذلك فإن هذه المشكلة هي مشكلة العالم كافة. أما بالنسبة لإسرائيل فإنها تدخل إلى هذا المجال وموقفها ضعيف جداً، نظراً إلى أنها لم توقع أي ميثاق في المجال النووي وترفض الخضوع للرقابة الدولية، وبالتالي من الأفضل ألا تقف في صدارة المعركة. وما حدث هو أننا دعمنا أي جهد تم بذله لكبح هذا السعي الإيراني سواء كان استخباراتياً أو سياسياً لكن حافظنا دائماً على أن نبقى في الصف الخلفي. بطبيعة الحال لم نجلس مكتوفي اليدين، وفي واقع الأمر فإن العقوبات الأولى التي فُرضت على إيران سنة 2003 كانت بتأثير منّا.

•سؤال: هل كانت هناك عمليات سرية أيضاً؟

•داغان: طبعاً كانت عمليات سريّة. لكن كنا نقول دائماً إنه يمكن إعاقة المشروع النووي الإيراني من خلال عمليات سرية لكن لا يمكن تصفيته. وعندما أنهيت ولايتي كرئيس للموساد سنة 2011 قلت إنه حتى سنة 2015 لن يكون بحيازة إيران سلاح نووي، والآن تأكد أنني كنت على حق. كان لدينا متسع من الوقت، بعضه استغل جيداً، وبعضه لا. ونجحنا في أن نجنّد عدداً غير قليل من الدول في مجال التعاون ضد هذا المشروع. حققنا نجاحات لا بأس بها، بدءا ببلجيكا وألمانيا وانتهاء بدول الشرق الأقصى. أقنعنا دولاً بوقف بيع عناصر كانت ضرورية للمشروع وهي عناصر ذات استخدام مزدوج. ويدور الحديث حول كميات كبيرة- 20،000 عنصر. نجحنا في اتخاذ قرار في الأمم المتحدة ضد إيران، ودفعنا قدماً بمساعي تشديد وطأة العقوبات المفروضة عليها، وكثفنا المداولات الحميمة مع الأميركيين. وصلنا إلى وضع أصبحت فيه الأسرة الاقتصادية الدولية تخشى عقد صفقات مع إيران لئلا يترتب على ذلك دفع أثمان باهظة. لكن نتنياهو أراد أن يسير خطوة أخرى إلى الأمام، وبذا حوّل المشكلة الإيرانية إلى مشكلة إسرائيلية. وفي إثر ذلك بدأت الدول التي عملت ضد إيران تؤكد بعد خطاباته [التي كان يلقيها في أنحاء العالم والأمم المتحدة] أنها معفية من المسؤولية، وأنه في حال وصول إيران إلى ما تسعى نحوه [امتلاك سلاح نووي] فإن إسرائيل ستتولى معالجة المسألة بمفردها.

•سؤال: لماذا تخلى نتنياهو عن الخيار العسكري؟

•داغان: كل المحافل المهنية عارضت الخيار العسكري. وبذا نشأ وضع كان على نتنياهو فيه أن يأخذ المسؤولية الكاملة عن اتخاذ قرار بشأن خيار كهذا، ولم يرغب في أخذ مسؤولية كهذه. لقد عارضنا الخيار العسكري لكن لم نفكر بالتمرّد عليه، ولم يشكّك أي منا في صلاحية رئيس الحكومة في اتخاذ القرارات. أبدينا رأينا المهني وهذا كل شيء. وبتقديري نتنياهو لم يقرر الإقدام على أي عملية عسكرية لأنه لم يرغب في تحمل المسؤولية عنها. ويبدو أنه لم يرغب في اتخاذ قرار دراماتيكي خلافاً لوجهة نظر رؤساء المؤسسة الأمنية لكونه يعرف أن المسؤولية في نهاية المطاف ستقع على عاتقه. في حياتي كلها لم أر نتنياهو يأخذ مسؤولية على عاتقه عن أي شيء. رأيت زعماء توصلوا إلى قرارات وبعد ذلك اعترفوا بأنهم كانوا على خطأ. لا أحد معصوم عن الأخطاء، غير أن الفارق بين نتنياهو وبين الآخرين يكمن في الاستعداد لتحمل المسؤولية عن القرارات. إن نتنياهو قوي في الأقوال لا بالأفعال.

•يضيف داغان: إن المشروع النووي الإيراني يشكل تهديداً وجودياً على إسرائيل. إن رأيي في هذا الشأن قريب جداً من رأي نتنياهو. وثمة نقطتان تقلقاني على نحو خاص في المفاوضات التي تجريها الدول الست الكبرى [مجموعة الدول 5+1] مع إيران في الوقت الحالي: الأولى، ماذا سيحدث إذا ما خرق الإيرانيون الاتفاق؟؛ الثانية، ما العمل بعد نهاية فترة الاتفاق عندما يقرر الإيرانيون التوجه نحو إنتاج سلاح نووي؟. بالتأكيد كان بوسع إسرائيل أن تحصل على ضمانات أميركية بالعمل إذا ما خرقت إيران الاتفاق، لكن في وضع العلاقات الحالي [بين إسرائيل والولايات المتحدة] من المشكوك فيه أن يكون بالإمكان الوصول إلى وضع كهذا. فضلاً عن ذلك، يبذل نتنياهو جهوداً لدى الأميركيين فقط، ولا يبذل أي جهد لدى الدول الأخرى [المشاركة في المفاوضات]، وفي سلوكه هذا يعزّز لدى الأميركيين دافع المسارعة للوصول إلى اتفاق. هل يمكن أن تتخيلا أن يفسر الرئيس أوباما أنه لم يصل إلى اتفاق بأنه خنوع لنتنياهو أو للجمهوريين؟.

•سؤال: إذاً ما الذي تقترحه، هل تقترح ألا نفعل شيئاً؟

•داغان: إن جل ما يمكننا أن نفعله هو عمليات تعرقل المشروع الإيراني على غرار عمليات سرية أو تشجيع محافل المعارضة والأقليات داخل إيران، ولدينا الكثير من الأدوات لتحقيق ذلك. ما كنت لأدخل في مواجهة أميركية داخلية ضد الرئيس. في الكونغرس سيصفقون لنتنياهو، لكن القوة تظل في يد الرئيس. ما الذي سيحققه نتنياهو من خلال زيارة واشنطن؟ أنا لا أفهم. ما هو هدفه، هل مجرّد التصفيق؟ هذه الزيارة هي بمثابة فشل معروف مسبقاً. إن أي رئيس حكومة في إسرائيل يقرّر أن يدخل في مواجهة مع إدارة أميركية يجب أن يسأل ما هي المخاطر؟. معروف أنه في موضوع المستوطنات [في المناطق المحتلة] لا يوجد فرق بين مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي [المعارضة للمستوطنات] وعلى الرغم من ذلك فإنهما يبسطان علينا مظلة الفيتو [في مجلس الأمن الدولي]. لكن في ظل المواجهة من شأن هذه المظلة أن تختفي وفي غضون وقت قصير قد تجد إسرائيل نفسها تحت وطأة عقوبات دولية. إن المخاطر المترتبة على مثل هذه المواجهة لا تطاق، ونحن ندفع أثمانا باهظة منذ الآن، بعضها أعرفه لكن يُحظر عليّ تقديم أي تفصيل بشأنه.

•سؤال: أعلن البيت الأبيض أخيراً أنه أوقف إشراك إسرائيل في المعلومات السرية حول المفاوضات الجارية مع إيران. من تجربتك هل مثل هذا البلاغ ينزل إلى المراتب الأدنى والجانب وينسحب على كل منظومة العلاقات مع الإدارة الأميركية؟

•داغان: بالتأكيد، وهذا يحدث بسرعة كبيرة. فرئيس "السي. أي. إيه" تعيين سياسي، وكذلك مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية، وجميع هؤلاء وكذلك كبار الموظفين يعملون بحسب روح القائد. وقد واجهنا مثل هذه الظاهرة في المواجهات التي كانت في الماضي، في قضية بولارد مثلاً. نحن متعلقون بالأميركيين من حيث الوسائل القتالية الاستراتيجية، وعندما يقول مسؤولو الإدارة إن إسرائيل تعمل خلافاً للمصلحة الاستراتيجية الأميركية فثمة هنا مخاطرة بعيدة المدى على إسرائيل. وماذا يقصد رئيس الحكومة عندما يقول إننا لسنا بحاجة إلى معلومات عن المفاوضات لأن لدينا مصادرنا؟ هل يلمح إلى أننا نتجسّس على الولايات المتحدة؟ إن مكانتنا في العالم متآكلة الآن، ومسألة شرعية إسرائيل مدرجة بقوة في جدول الأعمال العام، وفي ظل أجواء كهذه لا يجوز المساس بالعلاقات مع صديقنا الأهم، وبالتأكيد لا يجوز المساس بها علناً من خلال التدخل في الجدل السياسي الأميركي الداخلي. هذا ليس سلوكاً لائقاُ لرئيس حكومة. ولا بُد من أن أشير أيضاً إلى أن موضوع قيام نتنياهو بإلقاء خطاب أمام الكونغرس لم يُناقش مع الجهات المهنية، ويجوز أنه اكتفى بمناقشته مع جهات سياسية. وهذا غير كاف على الإطلاق.

•سؤال: معروف أن الولايات المتحدة أجرت هي الأخرى مفاوضات من وراء ظهر إسرائيل، حيث إنها جلست مع الإيرانيين في سلطنة عمان؟

 

•داغان: هذا تطوّر مؤسف للغاية، لكنه يجسّد مبلغ التردي في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.

 

 

المزيد ضمن العدد 2082