•قال مصدر عسكري كبير أمس (الثلاثاء) إن حزب الله هو الذي يقف وراء اطلاق النار من الجولان السوري في اتجاه جبل الشيخ ومنطقة مستوطنة مروم غولان. حزب الله هو المسؤول لكن لا يعني هذا بالضرورة أن عناصره هم من أطلقوا الصاروخين. ويبدو أن من فعل ذلك وكلاء لـ "المحور" (إيران- سورية- حزب الله) كجزء من الرد الانتقامي على الهجوم المنسوب إلى إسرائيل يوم الأحد الماضي.
•وفي جميع الأحوال، الرد الإسرائيلي لم يتأخر وأراد ان يوضح مرة أخرى لإيران وحزب الله وسورية أن إسرائيل ليست مستعدة لقبول فتح جبهة في الجولان. وكانت الأداة لتوضيح ذلك مهاجمة مواقع الجيش السوري (اللواء 90) في الجيب الذي لا يزال تحت سيطرتهم في منطقة القنيطرة الجديدة شمال الهضبة.
•ومعنى ذلك أن نظام الأسد قد يخسر المواقع المعزولة التي ما تزال تحت سيطرته في الجولان إذا واصل حزب الله استخدام هذه المنطقة للإرهاب وإطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل. وهذا التهديد حقيقي ويجب أن يدفع الإيرانيين وسورية إلى إعادة درس نيتهم السماح لحزب الله بالعمل من أراضي سورية ضد إسرائيل. بكلام بسيط رفعت إسرائيل من خلال هجوم هذه الليلة من خطر الرهان بحيث سيضطر حزب الله وأسياده الإيرانيون إلى أخذه في حسابهم إذا واصلوا تحركهم في الجولان. واحتمالات التدهور في مثل هذا الوضع تزداد وتكبر.
•وفي العودة إلى قصف الأمس. ففي حادثتين سابقتين أُطلقت أيضاً صواريخ انتقاماً على هجمات إسرائيلية في اتجاه جبل الشيخ من طراز 107 ملليمتر، وهذا صاروخ صغير نسبياً يطلق من منصة صغيرة. يسير حزب الله والإيرانيون والسوريون على حبل رفيع، فهم يريدون الانتقام من خلال التسبب بأذى وخسائر لإسرائيل، لكنهم في المقابل يريدون، ويقولون ذلك علناً، منع اندلاع حرب شاملة نتيجة التدهور الحاصل بعد ضربة انتقامية أو رد إسرائيلي وضربة انتقامية أخرى.
•أحياناً في منطقتنا مثلما جرى في عملية الجرف الصامد وفي حرب لبنان الثانية، يخطط الطرفان لشيء معين لكن ما يحدث هو شيء آخر أكثر إيذاء وأسوأ مما قدّر الطرفان حدوثه في البداية. وعادة يحدث هذا بسبب خطأ في الحسابات. القصف بالأمس على الجولان استهدف أرضاً مفتوحة عن قصد، إنه قصف من أجل القصف وذلك كي ترصده الرادارات وتنطلق صفارات الإنذار وبعد ذلك يُسمع دوي القصف. ويمكننا افتراض أن الذي اطلق الصواريخ أو القذائف أعضاء تنظيم فلسطيني أو سوري يتعاون مع نظام الأسد. هذا ما جرى في المرات السابقة، وهذا ما جرى في الأمس.
•ثمة هدف إضافي للقصف هو أنه إذا أرادت إسرائيل من خلال الهجوم المنسوب إليها مطلع الأسبوع الماضي إحباط قيام جبهة ثانية في الجولان، فقد فشلت والقصف أبرز دليل على ذلك، فالجبهة حية وموجودة ونشطة.
•إذن، ماذا أراد مطلقو الصاروخين تحقيقه؟ يمكننا بحذر أن نقدر أن محور حزب الله- إيران- سورية يحاول الانتقام من خلال إيجاد حالة من التوتر الدائم وحالة من التأهب المستمر في منطقة حدود لبنان وهضبة الجولان. فالتوتر المستمر وحالة التأهب الدائمة لهما ثمن اقتصادي ومعنوي كبير، حتى لو لم تكن هناك خسائر في الأرواح أو جرحى.
•كما أنه ثمة ميزة في هذا الأسلوب من الانتقام لأن الجيش الإسرائيلي لن يرد بقوة بل بصورة مدروسة إذا لم تقع خسائر في الأرواح بين جنود الجيش أو مواطني إسرائيل. ومما لا شك فيه أن حالة التأهب في الجيش الإسرائيلي في الشمال تكلف الكثير من المال وتضعف برنامج التدريبات في وحدات الجيش وتتطلب مئات ساعات الطيران من الطائرات الحربية ووسائل طيران أخرى تكلف مئات الآلاف من الدولارات يومياً.
•وعلى الصعيد المدني، تضررت السياحة في موقع جبل الشيخ كما تضررت حركة الاستجمام في الجولان وتكبدت خسائر كبيرة، ولم يعد في إمكان السكان مواصلة حياتهم الطبيعية مما يضر بالمعنويات. وهذا كله يحققه حزب الله وإيران وسورية بأسهل الطرق من خلال التحرك من حين إلى آخر بالقرب من الحدود على الجانب اللبناني، وإطلاق صاروخين أو ستة أحدها في اتجاه جبل الشيخ لطرد المتزلجين، وآخر في اتجاه مروم غولان لطرد محبّي الاستجمام والنبيذ، وهم يحققون هدفهم من دون أن يعاقبوا.
•إن هذا النوع من الرد الانتقامي الذي معناه الفعلي استنزاف اقتصادي ومعنوي لسكان الحدود مع لبنان وفي الجولان، يشكل تحدياً لإسرائيل لأنه من الصعب التخطيط لرد رادع وملائم وفي الوقت عينه يكون "مدروساً". ومن الصعب على المجتمع الدولي اليوم تفهم ضربة عسكرية إسرائيلية واسعة رداً على إطلاق صاروخين لم يؤديا إلى خسائر في الأرواح.
•وهذا القيد موجود ليس فقط بسبب التخوف من الرأي العام الدولي، بل ايضاً لأن إسرائيل لا تريد الرد بقوة داخل سورية والتورط في الحرب الأهلية الدائرة هناك، لأن هذا تحديداً ما يريده الأسد وتكون إسرائيل بذلك تخدم أهدافه في العالم العربي.
•يمكن افتراض أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، وستكون هناك ردود انتقامية أخرى تتلاءم مع الضربة التي تلقاها الإيرانيون وحزب الله يوم الأحد الماضي.