•إطلاق صواريخ الكاتيوشا في اتجاه هضبة الجولان صباح أمس (الثلاثاء) لم يكن أمراً استثنائياً، بل هو تعبير إضافي عن واقع جديد. ويتعين علينا أن نعتاد على كون الحدود في هضبة الجولان أكثر حدود إسرائيل قابلية للانفجار، فهي أخطر من السياج في قطاع غزة حيث تسيطر "حماس" في الطرف الثاني من السياج على الوضع إلى حد ما، ولا تخوض جولة قتال مع إسرائيل إلا عندما تشعر بأنه لم يبق لها فعلاً خيار آخر.
•إن التوتر السائد اليوم في الشمال هو الأشد منذ انتهاء حرب لبنان الثانية سنة 2006. ويعود سببه إلى عملية الاغتيال التي جرت قبل أسبوع وقُتل فيها 12 شخصاً على بعد 500 متر من السياج، بينهم جنرال إيراني وجهاد ابن عماد مغنية.
•لكن من المهم أن ندرك أن الاغتيال بحد ذاته الذي ينسبه حزب الله إلى إسرائيل لم يحدث بصورة فجائية. بل جاء نتيجة تبادل ضربات سابقة بين الطرفين استمرت طوال سنة 2014، على الرغم من عدم تحمل أحد المسؤولية عن هجمات قام بها حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان أو هجمات غامضة وقعت في لبنان أو في سورية.
•تخطط إيران ومعها حزب الله في هذه الأيام للانتقام بعد اغتيال مسؤوليهما الكبار. إن حادث الأمس لا يدخل ضمن إطار الانتقام الذي يجري التخطيط له، لكنه يتلاءم مع الأسلوب الرامي إلى التسبب بالأذى لإسرائيل من دون تحمل المسؤولية عن ذلك. واختيار حزب الله هضبة الجولان ساحة لتبادل الضربات مع إسرائيل يهدف إلى السماح لنفسه بمواصلة "المقاومة" من دون منح إسرائيل ذريعة لمهاجمة لبنان نفسه والتورط أمام الرأي العام المحلي اللبناني.
•يستطيع حزب الله دائماً الادعاء أن إطلاق الصاروخين مصدره "مبادرة محلية"، لكن من الصعب عدم الربط بين ما حدث والتوتر الشديد. فالقصف يربك إسرائيل ويتسبب لها بضرر اقتصادي (فهو يلحق ضرراً كبيراً بالسياحة في جبل الشيخ والاستجمام في هضبة الجولان). أما السكان فقد اعتادوا صفارت الإنذار والتحذيرات مثل سائر المستوطنات الحدودية.
•وفي الواقع، فإن الصاروخين اللذين أُطلقا في اتجاه الهضبة لم يتسببا بضرر ملموس، لكنهما أديا إلى تحريك منظومة الرد كلها في الجيش الإسرائيلي الذي هو حالياً في حالة تأهب قصوى، وقد جرى اطلاق 20 قذيفة مدفعية واستقدمت طائرات حربية.
•وفي الواقع أن التوتر لن يتغير، بل على العكس فمن المنتظر أن تكون سنة 2015 سنة متوترة جداً في الشمال، وقد تشهد حوداث تؤدي إلى نشوب معركة كبيرة، وليس حزب الله وحده من سيشارك فيها بل وأيضاً خليط متنوّع كبير من قوات داعش والقاعدة على الطرف "السوري" من الهضبة (حيث فقدت الدولة السورية منذ زمن طويل السيطرة هناك)، وذلك عندما يشتعل عود الثقاب الحقيقي الذي سيحرق المنطقة.