الحرب الأهلية السورية والمخاطر الجديدة على جبهة هضبة الجولان
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•ترسخ في الحرب الأهلية الدائرة في سورية تعادل استراتيجي، فكلا المعسكرين غير قادر في هذه المرحلة على إخضاع خصمه، ويتركز القتال في شتى أنحاء الدولة على معارك من أجل تحقيق سيطرة محلية ليس في مقدورها ترجيح كفة النصر لأي طرف من الأطراف. وسيكتفي نظام بشار الأسد في المستقبل المنظور بالسيطرة على "سورية الصغرى" المؤلفة من العاصمة دمشق والممر الذي يربطها بالمدينة الكبيرة حلب وبالمنطقة العلوية شمال غربي الدولة. وهذا النظام ليس معنياً بمواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، ولكن هناك خطراً متزايداً من جانب متطرفين في كلا المعسكرين؛ حزب الله من جهة النظام، والتنظيمات الجهادية من جهة الثوار؛ سيحاولون المبادرة إلى القيام بهجمات ضد إسرائيل في هضبة الجولان.

•لقد بنى حزب الهر بنية تحتية إرهابية في منطقة الجولان بمساعدة إيرانية وسورية. ويتولى إدارة هذه الشبكة اسمان تعرفهما إسرائيل. المسؤول الأول هو جهاد مغنية، ابن عماد مغنية الذي قتل في عملية اغتيال نسبت إلى إسرائيل سنة 2008؛ والثاني هو سمير القنطار، الدرزي اللبناني الذي حُرر سنة 2008 بعد حكم بالسجن المؤبد صدر بحقه بسبب مقتل عائلة هارون في نهاريا، ضمن صفقة تبادل لاستعادة جثماني الجنديين أودي غولدفاسر وألداد ريغيف [اللذين قتلا خلال عملية خطفهما في لبنان مما أدى إلى نشوب حرب تموز/يوليو 2006].

•واستناداً إلى تقدير الاستخبارات الإسرائيلية المتعلق بالحرب الدائرة في سورية والتي ستدخل في شهر آذار/مارس عامها الرابع وتسببت بكارثة إنسانية هي الأخطر في المنطقة خلال العقود الأخيرة، فإن عدد القتلى في هذه الحرب وصل إلى 200 ألف قتيل أكثرهم من المدنيين، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ فروا من سورية إلى الدول المجاورة. 

•إن أحد الأسباب الأساسية للتعادل السلبي في ميزان القوى بين الطرفين يعود إلى التحول الذي طرأ على مواقف دول الغرب من الصراع، من التهديد الأميركي بمهاجمة النظام عقاباً له على استخدام قوات الأسد سلاحاً كيميائياً في آب/أغسطس 2013، إلى الاعلان عن الهجمات الجوية ضد خصم النظام الأكثر خطراً أي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد سنة. وحتى لو لم تعترف الولايات المتحدة بذلك، فإن سياستها الحالية تؤدي عملياً إلى تعزيز موقع الأسد في مواجهة أعدائه.

•وفي نظرة إلى الوراء، فإن النقطة التي شكلت بداية وقف اكتساح الأسد هي تحديداً ما سمي لاحقاً بـ"الوليمة الأخيرة" أي اغتيال آصف شوكت رئيس الاستخبارات السورية وصهر الرئيس مع ثلاثة من المسؤولين الكبار في دمشق في تموز/يوليو 2012. ففي تحقيق نشرته في الفترة الأخيرة مجلة "وول ستريت جورنال" برز احتمال أن الهجوم لم يكن من صنع المعارضة كما زعم الطرفان لدى وقوعه، بل هو مؤامرة داخلية للنظام للتخلص من شوكت الذي حاول الدفع قدماً بحل سلمي للمواجهات قبل مقتله بقليل.

•هذا التقدير الذي تدعمه المجلة بمقابلات أجرتها مع أشخاص كانوا فاعلين لدى الطرفين في تلك الفترة، لم يجر التأكد من صدقيته. لكن الاغتيال بحد ذاته كان علامة مهمة لأنه من بعده ازداد بصورة كبيرة دعم إيران وحزب الله لنظام الأسد، فأرسل الإيرانيون خبراء استخبارات وميليشيا، كما أرسل حزب الله مقاتلين إلى سوريا، وسرّعت روسيا شحنات السلاح إلى الأسد على خلفية تقديرهم أن الثوار السنة يوشكون على السيطرة على سورية إذا لم يحظ النظام بهذا الدعم بسرعة.

•وتدريجياً خلال سنة 2013 حقق معسكر الأسد نجاحات تكتيكية في وقف تقدم الثوار. وخلال هذه الفترة انتقل النظام إلى التركيز على الدفاع عن "سورية الصغرى" التي اشتملت على ثرواته الأكثر أهمية. وحتى لو كان الأسد يسيطر بصورة فعلية حالياً على ربع وحتى ثلث أراضي الدولة، فإن هذا يكفي كي يصمد. 

•لقد واجه النظام خطراً محدقاً في صيف 2013 بعد مجزرة المدنيين بسلاح كيميائي مما أثار غضب الولايات المتحدة ضده. لكن للمرة الثانية أنقذه التدخل الروسي. فالاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة وبموجبه جرى تفكيك مخازن السلاح الكيميائي للأسد مقابل إلغاء الهجوم العقابي الذي كانت تخطط له الولايات المتحدة، أزال عنه هذا الخطر. كما أن صعود الدولة الإسلامية السنة الماضية في العراق وسورية، والذي استقطب الاهتمام الدولي بسبب سلسلة عمليات القتل الذي نفذها هذا التنظيم ضد مواطنين غربيين في الصيف، ساعد الأسد بصورة أساسية. ففي أعقاب ذلك أهمل الغرب نهائياً المسعى المتردد والمتعثر منذ البداية، المطالب بإطاحة الأسد. والراهن اليوم أن تركيز هجمات إدارة أوباما ضد داعش يساعد الأسد على الصمود. فحتى لو لم تكن هذه هي الرغبة الأساسية للأميركيين، لكن هذه هي النتيجة الفعلية لذلك. 

•ومن نتائج المواجهة في سورية انتقالها إلى الدول المجاورة وبصورة خاصة إلى لبنان والعراق حيث لا توجد حواجز مادية بين هذه الدول المنقسمة. فالخلافة الإسلامية التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية تمتد على طرفي الحدود في شمال العراق وشرق سورية. وعلى الحدود اللبنانية اضطر حزب الله إلى نشر خط من المواقع ينتشر فيها باستمرار نحو ألف مقاتل من الحزب من أجل منع عبور مقاتلي الجهاد من السنة من سورية إلى الأراضي اللبنانية. وجرى إنشاء هذه المواقع التي يحرسها مسلحون من حزب الله، رداً على موجة الهجمات التي شهدها لبنان والتي وقع جزء منها في معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت منذ أكثر من سنة.

•تُقدّر خسائر حزب الله في سورية بنحو 550 قتيلاً ومئات الجرحى. وللحزب نحو 5000 مقاتل بصورة دائمة في سورية حيث يتولون الدفاع عن الثروات الحيوية لنظام الأسد. وجرى إرسال قوة صغيرة من بضع مئات من المقاتلين من لبنان إلى العراق لمساعدة الشيعة في مواجهة الدولة الإسلامية. ويلاحظ الجيش الإسرائيلي تحسناً عسكرياً واضحاً في أداء حزب الله بعد التجربة القتالية التي حصل عليها أعضاؤه في سورية.

•في المقابل، يبرز تراجع كبير في طبيعة الخطر العسكري التقليدي الذي تتعرض له إسرائيل من جهة سورية، فأكثر من 80% من ترسانة صورايخ وقذائف الجيش السوري استخدم ضد أهداف تابعة للثوار. وفي الجولان لم يعد هناك تقريباً قطعات مدفعية موجهة ضد إسرائيل. واحتمال مناورة سورية ضد أراضي إسرائيل لم يعد مطروحاً. أما التهديد الكيميائي فقد زال في أغلبيته بعد تفريغ مخازن السلاح الكيميائي. وبهذه الطريقة نشأ تغير جذري في التوزان بين إسرائيل والدولة التي شكلت أهم عدو لها طوال العقود الأربعة الأخيرة.

•وعلى صعيد المخاطر، ازداد بصورة كبيرة خطر الهجمات الكبيرة في هضبة الجولان من جانب المتشددين من جميع المعسكرات. فهناك تنظيمات سنية متشددة تتماهى مع القاعدة بالقرب من الحدود أكثر من الماضي، وهي قد تقلد هجمات تقع في أماكن أخرى.

•وحتى حزب الله كما سبق أن ذكرنا، فإنه يبني بنية تحتية إرهابية في المنطقة. وهذه البنية هي التي أطلقت كاتيوشا من عيار 107 مليمترات على الجولان خلال الحرب على غزة في الصيف. وثمة تقديرات في إسرائيل بأن حزب الله بموافقة من الأسد، سيستغل المنطقة الصغيرة الواقعة تحت سيطرة النظام شمال الهضبة للقيام بهجمات ضد إسرائيل انتقاماً للغارات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل على أراضي لبنان وسورية.

 

•وعلى الرغم من أن الأسد استطاع الصمود حتى الآن في هذه الحرب الأهلية المخيفة، ففي الفترة الأخيرة استكملت إسرائيل التحول الكامل في علاقتها بالجبهة الشمالية. فخلال العقدين الأخيرين كان التخوف الأساسي لقادة المنطقة الشمالية مثل عميرام ليفين وغابي أشكينازي هو هجوم محتمل من جانب حزب الله في لبنان، في حين كان السيناريو الأكثر إقلاقاً على المدى البعيد حرب محتملة مع سورية. اليوم تبدلت المعطيات. فما يقلق قائد المنطقة الشمالية أفيف كوخافي هو هجوم محتمل من الجولان، وهو يستعد لاحتمالات حصول مواجهات مع عدو أكثر اشكالية من حزب الله في لبنان.