معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء عملية "الجرف الصامد" وأكثر من شهر على اجتماع الدول المانحة في القاهرة حيث تعهدت بتقديم 5,4 ملايين دولار لإعادة إعمار قطاع غزة. لكن الذين تهدمت منازلهم ما يزالون من دون مأوى، ويزيد فصل الشتاء من ضائقتهم في حين لم تبدأ بعد عملية إعادة الإعمار الحقيقية. علاوة على ذلك، شددت مصر سياستها بشأن كل ما يتعلق بمعبر رفح الذي بقي مغلقاً فترة طويلة، كما قامت بتوسيع المنطقة الأمنية المحاذية للسياج الحدودي بين شبه جزيرة سيناء والقطاع من أجل كشف أنفاق التهريب وتدميرها. وساهم رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحويل أموال الرواتب والميزانية المطلوبة لوزارات "حماس" في قطاع غزة في مفاقمة الضائقة المالية للحركة، وفي تدهور وضع سكان القطاع.
•الأمل الوحيد الباقي هو التعاون بين إسرائيل ومندوب الأمم المتحدة روبرت ساري، والموافقات على دخول مراقب لمواد البناء والعتاد الهندسي الثقيل من أجل إعادة إعمار آلاف المساكن المدمرة. وهذه الموافقات التي عكست تغيراً في موقف إسرائيل والسلطة الفلسطينية حيال ادخال مواد البناء إلى القطاع، جرى التوصل إليها بعد تدهور الوضع الإنساني في القطاع وتهديدات "حماس" والتنظيمات الأخرى بالتصعيد الأمني إذا لم تبرز مؤشرات تدل على بداية عملية إعادة الإعمار. لكن هذا التغيير لا يكفي من أجل التخفيف من الشعور بالإحباط الذي يسود القطاع.
•لقد تأجلت إلى موعد غير محدد المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و"حماس" التي كان من المقرر اجراؤها بعد انتهاء عملية "الجرف الصامد" من أجل وضع تفاهمات لوقف إطلاق النار بعيد الأمد، وكان من المفترض أن تجري في مصر. فالأحداث الإرهابية التي جرت في شمال سيناء هي التي أدت إلى التأجيل المصري، وكذلك صعوبات التنسيق مع السلطة. ومما لا شك فيه أن من مصلحة "حماس" استئناف المفاوضات من أجل تأمين الحاجات الأساسية مثل توسيع منطقة الصيد والمناطق الزراعية التي تدخل ضمن نطاق الحدود الأمنية، ومن أجل تحسين علاقاتها مع السلطات المصرية، وإظهار بعض النجاحات أمام جمهورها في غزة.
•في ضوء هذا كله يمكن تشبيه قطاع غزة بطنجرة ضغط تغلي، مما يهدد بانفجار العنف من جديد ضد إسرائيل ويؤدي إلى جولة أو مواجهة جديدة بين الطرفين. علاوة على ذلك، فإن التوتر بين "فتح" و"حماس" والتخوف من انهيار المصالحة بينهما من شأنه أن يزيد حوافز "حماس" من أجل تقويض حكم السلطة في الضفة الغربية وزيادة الهيجان في القدس على أمل زعزعة الاستقرار في المدينة والتسبب بانزلاق العنف إلى أراضي الضفة.
•تقضي مصلحة إسرائيل بإبعاد جولة العنف أكبر قدر ممكن، وزيادة احتمال اعادة اعمار القطاع وتحسين شروط حياة الناس وأمنهم بصورة كبيرة، لأنه كلما ازدادت الضائقة في القطاع وواجهت "حماس" صعوبة في تحسين ظروف الحياة في المنطقة، تزداد حظوظ اشتعال العنف. وفي ظلّ هذه الظروف قد تسمح "حماس" لأعضاء ذراعها العسكرية وللتنظيمات الأخرى بالقيام بهجمات ضد إسرائيل وزيادة احتمال التدهور نحو الحرب.
•في ضوء هذا الواقع، تقف إسرائيل أمام ثلاثة خيارات أساسية:
1-مواصلة اطار العمل الحالي وتوسيعه: يمكن بمساعدة مندوب الأمم المتحدة وبطريقة مضبوطة ومحسوبة، نقل مواد البناء وسائر الاحتياجات والمواد المطلوبة من أجل بناء الأساسات والترميم التدريجي للمساكن. لكن هذا لا يكفي لتأمين حاجات القطاع، لذا يتعين على إسرائيل توفير سبيل للتنسيق مع "حماس" من أجل توسيع منطقة الصيد والتوصل إلى اتفاقات واضحة تتعلق بدخول فلسطينيين إلى نطاق المنطقة الأمنية، والمساهمة في اعادة اعمار البنية التحتية (مثل المجارير) في القطاع. لكن على الرغم من هذا كله فإن إطار العمل هذا يستطيع فقط أن يؤجل الانفجار، لكنه لا يشتمل على عناصر يمكن أن تساعم في إرساء الاستقرار، وهو لا يعالج المشكلات الأساسية للقطاع.
2-إشراك السلطة الفلسطينية بما يجري في القطاع، بالتنسيق مع مصر والدول العربية البراغماتية والمجتمع الدولي: وهذا الخيار سيساعد في تهيئة الظروف من أجل توسيع مسؤولية السلطة في القطاع وتوليها عملية إعادة الإعمار الواسعة بدعم من دول عربية والمجتمع الدولي، وسيكون ذلك بمثابة اختبار لقدرتها. ومن أجل تحقيق هذا الخيار يتعين على إسرائيل طرح مبادرة سياسية أو التعاطي بإيجابية مع مبادرة استئناف العملية السياسية، وفي المقابل توسيع صلاحيات السلطة في الضفة في انتظار نشوء دولة فلسطينية مستقلة.
3-تطبيق فكرة الانفصال الكامل عن قطاع غزة: على إسرائيل أن تنشئ مساراً يتولاه المجتمع الدولي ويحظى بدعم دول عربية، مهمته تأمين انفتاح غزة على العالم، وتقليص تبعيتها لإسرائيل وصولاً إلى التوقف الكامل عن تزويدها بالبضائع والمواد. وضمن هذا الإطار يجب إقامة ميناء بحري بالقرب من شواطئ غزة يلبي مطالب إسرائيل الأمنية. وثمة عنصر مهم في هذا الخيار هو التنسيق الوثيق مع مصر كي لا تُقدر خطأ أن إسرائيل تعمل على دفع القطاع نحوها. ويمكن أن يؤدي فشل هذا الخيار إلى بديل آخر هو وضع القطاع تحت سلطة وصاية دولية.
•لدى الاختيار بين هذه الخيارات يتعين الأخذ بالاعتبارات التالية:
1-إن حظوظ تطبيق اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" واحتمالات مشاركة حكومة الوحدة الفلسطينية في إعادة إعمار القطاع ضعيفة بل حتى غير موجودة. وستبقى "حماس" العنصر السياسي والعسكري الوحيد في القطاع، مما سيؤدي إلى بقاء الضائقة الاقتصادية والإنسانية في المنطقة على حالها.
2-ليس لدى السلطة الفلسطينية ولا لدى رئيسها النية ولا الرغبة ولا القدرة على حكم غزة من جديد واسترجاعها من "حماس"، كما أنها ستخسر إذا حاولت الدخول في مواجهة ضد "حماس"، إلا إذا حصلت على مساعدة كبيرة من إسرائيل ومصر أو منهما معاً.
3-قطاع غزة لا يهم فعلاً الدول العربية، وعلى الأقل اللاعبون الأساسيون في العالم العربي.
4-إشراك العالم العربي والمجتمع الدولي في إعادة إعمار قطاع غزة سيقلص من هامش الشرعية الإسرائيلية في شن عملية عسكرية رداً على هجمات من القطاع، حتى لو كانت هذه العملية تدخل في إطار الدفاع عن النفس.
5-المجتمع الدولي ليس مهتماً بتحمل مسؤولية القطاع لأن ذلك معناه مواجهات عنيفة مع "حماس" التي من المنتظر أن ترفض التخلي عن مكانتها فيه.
يبدو الخيار الأول هو الذي يخدم المصلحة الإسرائيلية على الأقل في هذه المرحلة، في ضوء تمسك القيادة الإسرائيلية بتقديرها عدم فائدة المفاوضات التي ستؤدي إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، على الأقل خلال النصف السنة المقبلة التي سيستمر خلالها الجمود السياسي في ظل التحضيرات للانتخابات في إسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، يتعين على إسرائيل من أجل كبح "حماس"، إعطاءها إنجازات بارزة في القطاع.