•الجزء الجيد في تعيين غادي إيزنكوت رئيساً جديداً لأركان الجيش هو أنه سيحصل على جيش جيد، فالجيش الإسرائيلي هو من أكبر الجيوش في العالم وأفضلها نوعياً. وليست قدراته نظرية بل عملانية ومثبتة، فقد خبر ويلات الحرب. كما أن جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش متطور تكنولوجياً، ولديه استخبارات ممتازة، ويوجد تعاون جيد بين جميع أذرعته، وبصورة خاصة بين القوات البرية والجوية. هذا هو نصف الكأس المملوءة.
•لكن المشكلات تكمن في أن الجيش الإسرائيلي متأهب ومستعد فقط للحرب غير الصحيحة. ومن بين جملة المخاطر الأمنية التي تهدد إسرائيل هناك خطران مباشران: جيش "حماس" الإرهابي، وجيش حزب الله الإرهابي. لكن الحقيقة المرة والقاسية هي أن الجيش الإسرائيلي لا يملك رداً عليهما. ففي مواجهة قوة إرهابية صغيرة وشرسة ومتطورة، الرد الذي يعرفه الجيش الإسرائيلي هو القصف، سواء قصف البنى التحتية في لبنان، أم آلاف المباني في قطاع غزة. ولا توجد لدى هذا الجيش قدرة مباشرة للقضاء على القوة العسكرية للخصم.
•في حرب لبنان الثانية، وبعكس التعهدات المسبقة لقادة سلاح الجو، فشل الجيش في القضاء على خطر الصواريخ. ومع الأسف، فشلت القوات البرية في الانتصار على حزب الله. ويمكن القول إنه من الناحية العسكرية نشأ ما يمكن تسميته في أفضل الحالات، تعادل.
•ظهر وضع مشابه جداً خلال عملية "الجرف الصامد"، فسلاح الجو الذي يسيطر على أجواء خالية، لم ينجح في الكشف عن مخابئ صواريخ "حماس" وتدميرها. ولم يعرف سلاح البر كيف يقضي على قدرة "حماس" القتالية في قطاع غزة. صحيح أن القيادة العليا قدمت خطة، لكن ثمنها الدموي كان مرتفعاً للغاية بحيث تحولت غير ذات دلالة. والأخطر من ذلك أن الخطة لم تقدم علاجاً خلال زمن معقول لإزالة خطر الصواريخ عن مواطني إسرائيل. وبمعنى آخر، اتضح في المعركتين أن قوة الجيش الإسرائيلي العظيمة على الورق، ليست فاعلة عند الاختبار العملي.
•المشكلة الثانية التي ميّزت المعركتين الأخيرتين هي غياب الموهبة الملهمة. فسواء في "الجرف الصامد" أم في حرب لبنان الثانية، جاء تحرك الجيش الإسرائيلي ثقيلاً ومترهلاً تماماً وفق هندسة الجيش الأميركي. ولا يسرني أن أقول إن حزب الله و"حماس" تطورا وفاجآ وتصرفا بدهاء. أما نحن فقد كنا مترهلين ويمكن توقع خطواتنا والتزمنا بخط معين لم نحد عنه.
•وفي النهاية انتصرنا لأننا الأكبر والأقوى، لكن لا شيء يضمن نجاح هذا المخطط مرة أخرى. لقد استطاع حزب الله الصمود 40 يوماً، وصمدت "حماس" 50 يوماً. ومن الواضح أن القبة الحديدية لن تستطيع مواجهة كمية الصواريخ التي يحضرها ضدنا حزب الله، هذا من دون الحديث عن الأضرار الاقتصادية التي يمكن أن تنجم عن معارك طويلة.
لقد كان رئيس الأركان الجديد غادي إيزنكوت، محوراً أساسياً في هاتين الحربين الفاشلتين. واليوم مع تسلمه دفة القيادة، من واجبه أن يثبت أنه يمكن التصرف بطريقة مختلفة، وأن الجيش الإسرائيلي يستطيع أن يكون أكثر ذكاء ودهاء، وأنه لا يعاني الجمود النظري بل يستطيع أن يلائم نفسه مع الحرب المقبلة التي سنكون فيها مثل داوود في مواجهة العرب الذين سيكونون غوليات. فإذا نجح إيزنكوت في إعادة الجيش الإسرائيلي إلى هذا الوضع، يكون حقق الهدف الأعلى الذي عُيّن من أجله، أي استعادة القدرة على الانتصار على الخصم.