•أجرت وسائل الإعلام الإيطالية مقابلة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جولته الأولى في أوروبا، قدّم خلالها اقتراحاً بعيد المدى وله انعكاسات كبيرة على موضوع عملية السلام، وهو إرسال قوات مصرية لمراقبة تطبيق اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
•يمكن افتراض أن أي إسرائيلي سيخاف حين يسمع عبارة "إرسال قوات عسكرية إلى فلسطين" مع كل الأصداء السلبية التي تنطوي عليها (حرب الاستقلال [1948]، وحرب الأيام الستة [1967]، وحرب يوم الغفران [1973]). لكن هل المقصود هذه المرة "هجوم سلام"؟ وهل المبادرة المصرية جدية وتستحق الدرس؟
•في نهاية الثمانينيات حاول شمعون بيرس وكان وزيراً للخارجية، تشجيع فكرة "الخيار الأردني" - سيطرة الأردن على الضفة الغربية مقابل سلام كامل معه. لكن هذا الاقتراح وضع على الرف مع نشوب الانتفاضة الأولى. وفي الواقع، فإن الاقتراح المصري الحالي يشكل عملياً نوعاً من "خيار مصري" تقوم مصر بموجبه بنشر قوات رقابة في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة.
•وأوضح السيسي خلال المقابلة أن الوجود المصري لن يكون "إلى الأبد"، بل سيكون بالتنسيق مع حكومة إسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية وإلى أن يتم التأكد من تنفيذ اتفاق السلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
•إن نشر قوات مصرية في قطاع غزة من شأنه أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه سنة 1967، وهو تماماً مثل "الخيار الأردني" في الضفة الغربية. لكن المقصود هنا نشر قوات مصرية في جميع أراضي السلطة. والسؤال المطروح من وجهة نظر إسرائيل: هل من الصواب درس هذا الاقتراح؟ وما هي انعكاسات وجود جيش مصري على بعد دقائق من مدن إسرائيل؟
•يختلف الرئيس السيسي عن الرؤساء السابقين، ويستدعي تعاملاً مختلفاً معه. إنه ليس معادياً لإسرائيل مثلما كان محمد مرسي، ولا يتمسك بالستاتيكو مثلما كان حسني مبارك. فهو رئيس ديناميكي بالمعنى الإيجابي للكلمة، وهو حريص على المصلحة المصرية وليس المصلحة الإسرائيلية. لكن ثمة مصالح مشتركة كثيرة سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي.
•مما لا شك فيه أن الحل الذي يقتضي وجود الجيش المصري للرقابة في مناطق السلطة وغزة هو بمثابة كابوس بالنسبة لـ"حماس"، لأن المصريين لن يتعاملوا مع أعضاء الحركة برفق. كما أن الحل الذي يقترحه السيسي يزيل العائق الأساسي في وجه عملية السلام الذي تسبب سابقاً بفشل عملية أوسلو، أي الإرهاب الإسلامي المستمر. ولكن المبادرة تنطوي عملياً على خطر كبير، فقد ينشأ وضع يكون فيه الجيش المصري مسيطراً على مناطق فلسطينية تصل حتى نابلس في الشمال، الأمر الذي لم تنجح مصر في تحقيقه في جميع حروبها مع إسرائيل.
•في العام الماضي دخلت قوات مصرية كبيرة "بصورة موقتة" إلى سيناء لمحاربة الإرهاب، وهذا يتعارض مع اتفاق كامب ديفيد. واقتراح الرقابة المصرية سيسمح بإدخال قوات مصرية "بصورة موقتة" إلى غزة والضفة الغربية. ومثلما حدث في سيناء، فالحرب ضد الإرهاب تتطلب إدخال عدد كبير من الجنود والدبابات والطوافات إلى "فلسطين".
•في الفترة الحالية يمرّ الشرق الأوسط بتغيّرات بعيدة المدى. ونأمل أن يصمد نظام السيسي ويحقق أهدافه. لكن قبل أن تستقر مصر ويجري التأكد من عدم عودة نظام "الإخوان المسلمين" وتترسخ الثقة جيداً بين حكومة السيسي الجديدة وإسرائيل، فإنه سيكون من الصعب على الحكومة الإسرائيلية درس الاقتراح على الرغم من كل مزاياه.