لا مؤشرات على انتفاضة ثالثة بل سلسلة من الأحداث الفردية المحدودة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•بدا في الفترة الأخيرة أن الأحداث العنيفة التي شهدتها القدس الشرقية تتسبب بصورة تدريجية بواقع هش في العاصمة. وبعد تكاثر الأحداث بدأت تبرز كلمات "تصعيد" و"تدهور"، بيد أن الكلمة المفضلة لدى الخبراء والصحافيين والباحثين هي "انتفاضة ثالثة"، فهل هذا صحيح؟

•هناك اليوم أكثر من مليون ناشط فلسطيني على شبكات التواصل الاجتماعي مما يسمح لنا بمتابعة المزاج العام السائد وفهم الصلة الأوسع التي تربط بين الأحداث في القدس الشرقية. والسؤال الذي يطرح هو: هل الجمهور الفلسطيني راغب في التصعيد؟ وهل هناك حافز أو قدرة لدى الشباب الفلسطيني وزعامة الشارع للقيام بانتفاضة ثالثة؟

•في تقديري الجواب هو: لا. فمن أجل نشوب انتفاضة ثالثة ثمة حاجة إلى قيادة ترغب في ذلك، وكتلة أساسية من الأشخاص المستعدين للقيام بأعمال عنف.

•واستناداً إلى الحوار في شبكة التواصل الاجتماعي، فإنه لا يوجد في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية مثل هذه الكتلة الأساسية، كما لا توجد قيادة قادرة (أو راغبة) جر الشارع الفلسطيني إلى القيام بانتفاضة. لكن على الرغم من ذلك، وانطلاقاً من فهمنا للسياق الأوسع، يمكننا ملاحظة استعداد لزيادة عدد الحوادث المحدودة الناجمة عن "تسلل أفراد".

•منذ عملية "عودة الإخوة" ["عودة الأبناء"] في الصيف، بدأت قوات الأمن في إسرائيل وفي السلطة الفلسطينية عملية واسعة تهدف إلى "اقتلاع" البنية التحتية لـ"حماس" والجهاد الإسلامي من الضفة والقدس الشرقية. وترافقت هذه العملية باحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.

•من جهة أخرى، شدد الشاباك وأجهزة الاستخبارات في السلطة مراقبتهما لشبكات التواصل الاجتماعي وصنّاع الرأي العام الفلسطيني في الضفة. ظاهرياً تبدو الشبكة مفتوحة ويمكن التعبير عن الرأي بحرية. لكن عملياً، فإن كل شاب فلسطيني يحاول أن ينظّم احتجاجاً شعبياً من أجل الضغط على السلطات، أو من أجل التصعيد يُعتقل أو يُستدعى للتحقيق. من جهتها، "حماس" ليست قادرة ولا معنية بالاستفزاز بصورة رسمية بعد الهزيمة التي لحقت بها من جراء عملية "الجرف الصامد"، وبسبب الحساسية حيال مصر. ويظهر النقاش الدائر في شبكات التواصل الاجتماعي أن استراتيجية الحركة تقوم من وقت إلى آخر على "لعب" دور الولد المطيع من أجل وصول الرواتب وأموال إعادة الإعمار إلى غزة، وهي تعلم أن التصعيد من جهة الضفة أو القدس الشرقية سيؤدي إلى عرقلة وصول المال.

•من ناحية أخرى، فإن الشباب أو صنّاع الرأي في شبكات التواصل الاجتماعي الذين يرغبون في الاحتجاج والقيام بحملات يعتقلون ويجري التحقيق معهم، ويفرض عليهم وقف نشاطاتهم. ونتيجة إغلاق المجالات السياسية والعامة والتواصلية في وجوههم، لم يبق أمامهم سوى التفرق والقيام بأعمال عنف في أحداث محدودة.

•تسمح شبكات التواصل الاجتماعي بمعرفة توجهات الرأي العام، وتحديد الحملات التي يجري التحضير لها والشعور بما يجري في "الشارع"، لكن هذه الشبكات لا تسمح بتحديد شخص يخطط لهجوم، أو تنظيمات متفرقة يشكلها أفراد قليلون. وعلى الرغم من الوضع الحساس في القدس الشرقية والخليل، لا أرى حتى الآن رغبة شعبية واسعة في التصعيد. بل العكس هو الصحيح، فإن أغلبية الجمهور الفلسطيني لا يرغب بالعنف، وهناك أصوات تطالب بكبح الشباب الذين يلحقون الضرر بنوعية حياة جميع السكان.

 

•لكن على الرغم من ذلك، فإن تجربة الماضي تدل على أن "تسلل أفراد" يمكن أن يؤدي إلى تغييرات دراماتيكية واستراتيجية، لذا يجب عدم الاستخفاف بسلسلة الأحداث العنيفة التي شهدتها القدس الشرقية. وحتى لو لم يكن من المنتظر فصل ثالث في مسلسل الانتفاضات، فمن المحتمل أن يكون ما يجري اختباراً لنمط جديد من نوع آخر.

 

 

المزيد ضمن العدد 2002