معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•عشرون عاماً مرّت منذ توقيع اتفاق السلام الذي منح صفة رسمية وعلنية للتفاهمات السرية التي استمرت عشرات الأعوام قبل ذلك، بين إسرائيل والأردن. واستند الحوار بين الدولتين إلى مصلحة مشتركة ما تزال قائمة، وهي استيعاب الفلسطينيين، اللاعب الذي يشكل تحدياً لكليهما في الشرق الأوسط.
•غيّرت حرب التحرير سنة 1948 بصورة جذرية اعتبارات الملك عبد الله الأول الذي وجد نفسه يسيطر على الضفة الغربية من نهر الأردن وعلى القدس الشرقية. واضطر إلى مواجهة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّ معظمهم إلى شرقي نهر الأردن.
•وبعد إقدام الأردن على احتلال الضفة الغربية وفرار الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية، ضم الملك عبد الله الضفة والقدس على الرغم من تعارض ذلك بصورة مطلقة مع المنطق الهاشمي الذي يقتضي المحافظة على أغلبية شرق أردنية وتقليص الوجود الفلسطيني ضمن تخوم المملكة.
•بعد مرور عشرة أعوام على حرب التحرير، استأنف حفيد عبد الله، الملك حسين، الحوار مع القيادة الإسرائيلية، لكن قدرة الملك الشاب على المناورة لم تساعده على مقاومة الضغط الذي مارسه عليه الرئيس المصري عبد الناصر للانضمام إلى الحرب ضد إسرائيل التي نشبت في حزيران/يونيو 1967. وفي الواقع، فإن هذه الخطوة كانت أيضاً تتعارض مع المنطق السياسي- الاستراتيجي الذي كان من المفترض أن يوجه الأردن. لكن في أعقاب هذه الحرب، ساعدت خسارة الضفة في تقليص عدد الفلسطينيين بين سكان المملكة. وهذا الوضع يسهل اليوم على النظام الهاشمي مواجهة كونه أقلية في الدولة، كما سهل عليه في الماضي التصدي لليقظة القومية الفلسطينية التي ظهرت مع نشوء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964.
•نشطت تنظيمات فلسطينية ضد إسرائيل من داخل الضفة الغربية عندما كانت الضفة لا تزال جزءاً من المملكة، واضطرت هذه التنظيمات إلى نقل قواعدها إلى داخل الأردن بعد الضغط العسكري الإسرائيلي عليها. وهنا نشأت المفارقة، فإسرائيل التي تعرضت للهجوم من جانب الأردن قبل ثلاث سنوات، اضطرت سنة 1970 إلى الدفاع عنه في وجه سورية التي بدأت ترسل قواتها إلى أراضيه في محاولة لدعم التنظيمات الفلسطينية في صراعها ضد الحكم الهاشمي وللدفاع عنها في وجه الجيش الأردني.
•تواصل الحوار الخفي بين إسرائيل والملك حسين طوال سنوات، وأدى ذلك إلى نشوء مفارقة جديدة، فالقيادة الإسرائيلية التي كانت تنتمي إلى ما يسمى اليوم "حركة العمل"، رفضت جميع اقتراحات الملك حسين من أجل السيطرة التدريجية على أجزاء من الضفة. كما أن فشل المساعي التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرس مع الملك حسين سنة 1987 من أجل منح الأردن دوراً في حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، دفع الملك حسين إلى إعلان انفصاله الرسمي عن الضفة الغربية. وهذا الانفصال الذي ساهم في تغيير توجه منظمة التحرير إزاء إسرائيل، هو الذي فتح الطريق نحو اتفاق أوسلو الموقع سنة 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير. كما أتاح هذا الانفصال حدوث المفاوضات بين إسرائيل والأردن والتوصل إلى اتفاق سلام بين الدولتين وقّع بعد 13 شهراً فقط على توقيع اتفاق أوسلو. وفي الواقع لم ينتظر الملك حسين توصل إسرائيل والفلسطينيين إلى اتفاق دائم وشامل كي يجري مفاوضات مع إسرائيل ويزيل الغطاء عن العلاقات بين الدولتين التي كانت آنذاك سراً معروفاً.
•لم يتحقق افتراض الملك حسين أن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ستثمر بعد خمسة أعوام عن اتفاق دائم. ليس هذا فحسب، بل جاءت حكومة في إسرائيل اعتبرت اتفاق أوسلو خطيئة أصلية. منذ 1996 وهناك أطراف في الحكومات الإسرائيلية بتركيباتها المختلفة تعتبر الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين. وهذه الفكرة تقلق مضجع زعماء النظام الهاشمي، وتشكل الأساس الفعلي لسياسة الأردن العامة إزاء مثلث العلاقات الأردني - الإسرائيلي- الفلسطيني.
•إن الانتقادات الحادة الصادرة عن الملك عبد الله الثاني ضد التطرف الإسرائيلي المتعلق بالمسائل المرتبطة بالنزاع مع الفلسطينيين والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، مصدرها الخوف من أن يؤدي ذلك إلى نشوب انتفاضة ثالثة وموجة ثالثة من النزوح الفلسطيني إلى الأردن، الأمر الذي قد يتسبب بنهاية الحكم الهاشمي للمملكة.
•يعترف اتفاق السلام مع الأردن بالمكانة الخاصة له بشأن كل ما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس الشرقية، لكن اعتبارات سياسية- داخلية وإقليمية تجعل الحكومة الأردنية تفضل الاستمرار في توجيه انتقاداتها لما يجري في القدس الشرقية، حتى لو لم يكن لهذه الأحداث علاقة بالأماكن الإسلامية المقدسة.
•لكن حتى الآن، فإن هذه الانتقادات مهما بلغت حدتها لم تُترجم أفعالاً حقيقية على الرغم من أن الأردن يستطيع بوصفه عضواً في مجلس الأمن خلال 2014-2015 أن يتسبب بمشكلة لإسرائيل تلحق بها أضراراً في الساحة الدولية. لكن معرفة الأردن بنفوذ إسرائيل في الكونغرس الأميركي تلعب دوراً مهماً في مرونة ردود الفعل الأردنية على ما تعتبره استفزازاً إسرائيلياً، مثل البناء في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] والقدس الشرقية. يكشف ضبط النفس هذا نظرة شاملة إلى شبكة المصالح العامة للمملكة، خاصة في ضوء التقلبات التي جرت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع الماضية.
•إن اتفاق السلام مع الأردن على سبيل المثال يؤمّن تزود الأردن بالمياه من إسرائيل، إذ يعاني الأردن من نقص دائم في المياه ازداد حدة في السنوات الأخيرة بسبب أكثر من مليوني لاجئ من العراق وسورية. وتُعتبر إسرائيل في هذه المرحلة المزود الوحيد للأردن بالمياه، وهي تقوم في هذا المجال بتعهداتها بأمانة. كما أن توقف ضخ الغاز الطبيعي من مصر بسبب الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، ألحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الأردني. وفي هذه المرحلة، فإن الإمكانية الوحيدة لتزود الأردن بالغاز هي فقط من طريق إسرائيل. كما ان التصدير الأردني عبر الموانئ السورية توقف تماماً بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك. ومن هنا، فإن عبور الشاحنات الأردنية إلى ميناء حيفا يشكل بديلاً عنها.
•في الفترة الأخيرة، قارن الملك عبد الله بين التطرف السياسي في إسرائيل والتطرف في العالم العربي. وعلى الرغم من الغضب الذي تثيره هذه المقارنة، إلا أنها تكشف القلق المتزايد من عمليات داعش والفصائل الإسلامية المشابهة داخل الأردن. وتشير المحاكمات التي جرت لمؤيدي داعش في الأردن، وتظاهرات التأييد لهذا التنظيم في مدينة معان، على قلق متزايد إلى تأييد للتنظيمات الإسلامية المتطرفة داخل المملكة. وفي مثل هذه الظروف، من المهم التعاون الأمني بين الأردن وإسرائيل.
•إن الذكرى العشرين لاتفاق السلام بين إسرائيل والأردن ليست يوماً للاحتفال، لكنها أيضاً ليست للحزن. ويمكن النظر إلى اتفاق السلام هذا مثل اتفاق السلام الذي وقعته إسرائيل مع مصر بخيبة أمل. فليس هناك حرارة في العلاقات مع هاتين الدولتين، والجزء الأكبر من الاتفاقات المتعلقة بالتعاون في مجالات مختلفة بقي حبراً على ورق ولم ينفذ. ولا يوجد أي ذكر تقريباً للتعاون في المجال الاجتماعي المدني، وآلاف السياح الإسرائيليين الذين كانوا يقصدون في الماضي المناطق السياحية المشهورة في هاتين الدولتين لم يعودوا يذهبون إلى هناك خوفاً من الإرهاب.
•لكن اتفاقات السلام مع الأردن ومصر تمنح إطاراً رسمياً يسمح بتعاون مشترك للدفاع عن المصالح المشتركة بين إسرائيل وهاتين الدولتين المجاورتين. ويتعين على إسرائيل التي يهمها استقرار النظامين الحاليين في كل من الأردن ومصر، أن تأخذ بالاعتبار الضغوط الداخلية التي يواجهها هذان النظامان، وأن تعبر عن ذلك من خلال تحريك عملية سياسية مع الفلسطينيين.