معادلة الهدوء مقابل الهدوء لا تكفي، والأمن لن يتحقق إلا بحل الدولتين لشعبين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•خلال الشهر الأخير الذي تولت فيه كاترين أشتون منصب وزيرة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، شاركت في مؤتمر القاهرة من أجل إعمار غزة، وكانت من رؤسائه الأساسيين. وأعلنت تعهد الاتحاد الأوروبي تقديم 450 مليون يورو من أجل إعادة إعمار غزة.

•لقد شهد الإسرائيليون والفلسطينيون الكثير من الحروب في غزة خلال السنوات الأخيرة. ولا أحد يرغب في جولة جديدة من العنف، والسؤال الذي يطرح: ماذا يمكن أن نفعل مما لم يسبق لنا أن فعلناه من أجل تغيير الوضع؟

•في البداية لنعد إلى الوضع الذي كان سائداً في غزة قبل هذه الحرب التي لم تكن منتظرة. إن الاعتماد الحصري على صيغة "هدوء مقابل هدوء" قد تشكل الطريق الأسهل على الأمد القصير، لكن على الأمد البعيد فقد تؤدي إلى المزيد من العنف والمعاناة. لذا يتعين علينا مواجهة الموضوعات الأساسية والسعي إلى تحقيق بعض الأهداف المهمة. والهدف الأول هو وقف تهديد التنظيمات الإرهابية في غزة لإسرائيل، ويمكن تحقيق ذلك بواسطة منع تسلح هذه التنظيمات من جديد، وتجريدها من سلاحها في النهاية. أما الهدف الثاني فهو تحسين حياة الفلسطينيين في غزة بصورة جذرية، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال إعادة بناء غزة ورفع الحصار المفروض عليها.

•إن المساعي الآيلة إلى تحقيق هذين الهدفين يجب أن تحدث بصورة متلازمة وليس الواحد تلو الآخر. وكما أشارت إليه أشتون في القاهرة، فإن الدعم الدولي لإعمار غزة بحاجة إلى استقرار سياسي وأمني. إن النمو الاقتصادي القابل للحياة عبر استئناف التجارة بين غزة والضفة الغربية وإسرائيل، هو المفتاح لتحسين مستوى الحياة في غزة ومن أجل التأسيس لطبقة وسطى ومحاربة البطالة والفقر واليأس التي تشكل بيئة حاضنة للإرهاب. وكلما كان للناس ما يخسرونه، فإنهم يصبحون أقل ميلاً إلى دعم التطرف والعنف. وكما قال رئيس الأركان بني غانتس في الفترة الأخيرة، فإن تحقيق الهدوء مرتبط في جزء منه على الأقل بقدرة الفلسطينيين على إدارة اقتصاد قابل للحياة: "فهؤلاء الناس يريدون أن يعيشوا".

•ومن أجل حدوث هذا التغيير الحقيقي، يجب عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. لقد قبلت حكومة الوحدة الوطنية شروط اللجنة الرباعية الدولية، وهي تمثل المحاور الشرعي الوحيد في غزة، سواء بالنسبة للدول المانحة أو بالنسبة لإسرائيل. ويتعين على جميع الأطراف أن تبذل كل ما في وسعها من أجل السماح لهذه الحكومة بأن تحكم غزة من خلال دفع رواتب موظفي الدولة.

•ويجب أن يفهم الجميع أن لا وجود لحل يستند إلى مبدأ "غزة فقط"، فالقطاع والضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية العتيدة. وجميع المحاولات للتعامل معهما بوصفهما كيانين منفصلين فشلت وستفشل. فالأمن الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال حل دولتين لشعبين يضع حداً للنزاع. 

•ندرك أن مثل هذا الكلام قد يبدو ساذجاً بعد الحرب، لكن وجود رؤية سياسية وتقدم فعلي هما حاجة ملحة تساهم في دعم شرعية الأطراف التي اختارت وسائل غير عنفية.

•إن الاتحاد الأوروبي مستعد للمساهمة في تحقيق هذه الأهداف، ونحن مستعدون للمساعدة في البناء وفي النمو وفي الترتيبات الأمنية، ومستعدون لمساعدة السلطة الفلسطينية في حراسة ومراقبة المعابر الحدودية، وفي تطوير الطريق البحري مع غزة. كما أننا مستعدون للمساهمة في قيادة الإصلاح في قطاع الخدمات المدنية في السلطة الفلسطينية وفي تحسين الحكم في غزة.

•كما أننا مستعدون لمساعدة الطرفين مع شركائنا في المنطقة ومع الولايات المتحدة، على اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة من أجل تحقيق السلام الشامل. واقترحنا على الطرفين حوافز تدخل في إطار ما نسميه "شراكة مميزة وخاصة"، وهي عبارة عن رزمة استثنائية من المساعدة الاقتصادية، والسياسية والأمنية، لقاء توقيع اتفاق نهائي. وكما قالت أشتون في القاهرة: "إن الحل الوحيد القابل للحياة للوضع في غزة والذي يخدم مصلحة الجميع هو حل سياسي. ولن تنجح جهودنا في غزة إلا إذا كانت جزءاً من الإطار الواسع لدعمنا لفلسطين ومن التزامنا بعملية السلام".

•وفي النهاية، فإن الاتحاد الأوروبي أدان بصورة قاطعة إطلاق "حماس" الصواريخ بصورة عشوائية واستخدامها دروعاً بشرية، لكن الكثير من الأوروبيين صدمهم حجم الدمار والمعاناة في غزة. وبعكس حركة "حماس" القمعية التي ما تزال موجودة على لائحة الاتحاد الأوروبي للتنظيمات الإرهابية، فإن الديمقراطية الإسرائيلية تستطيع أن تنتقد نفسها. وأفضل رد يمكن أن تقدمه إسرائيل على منتقديها هو التحقيق السريع والشامل في الأحداث والتعاون الكامل مع الجهات الدولية.

•لقد اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً واضحاً من لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لأن صيغة القرار افتقرت إلى التوازن بصورة قد تؤدي إلى استباق نتائج التقرير. ونحن نطالب اللجنة بالتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف بما في ذلك "حماس" وسائر التنظيمات المتطرفة. وقد التزمنا بأن نتابع عن كثب تطبيق اللجنة للتفويض الذي منح لها وبأن نواصل العمل من أجل التوصل إلى نتائج متوازنة للتحقيق، ومن بين أمور أُخرى سيجري التحقيق في الموت المأسوي للطفل دانييل ترجمان بصاروخ أُطلق على مستوطنات إسرائيل. ونأمل أن تتعاون إسرائيل معنا من أجل ضمان أن يكون التحقيق متوازناً وشاملاً.