رسالة السيسي لنتنياهو: الطريق إلى الرياض وأبو ظبي والقاهرة تمرّ في رام الله
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يعتبر الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في افتتاح مؤتمر إعمار غزة في القاهرة، من أهم الخطابات التي ألقاها زعيم عربي في السنوات الأخيرة. فقد توجّه السيسي في خطابه قبل كل شيء إلى الجمهور الإسرائيلي ومن بعده إلى حكومة نتنياهو، ودعا إلى تبني المبادرة العربية للسلام والدفع قدماً نحو قيام دولة فلسطينية من أجل إنهاء النزاع قائلاً: "السلام هو الذي سيحقق الاستقرار والازدهار".

•لقد أظهر السيسي تحسّـساً ومعرفة بشكوك الإسرائيلي العادي إزاء عملية السلام، لكنه أيضاً ذكّر هؤلاء الإسرائيليين بمبادرة السلام العربية التي امتنعت حكومات إسرائيل عن التعاطي معها بجدية وبطريقة ايجابية منذ صدورها سنة 2002 [خلال القمة العربية التي عُقدت في بيروت]. أما الرسالة التي بعث بها الرئيس السيسي إلى الجمهور الإسرائيلي فهي أن هناك شريكاً للسلام، وأن التقدم نحو دولة فلسطينية يحمل معه اتفاقات سلام وعلاقات دبلوماسية وتطبيعاً مع جزء كبير من العالم العربي.

•بيد أن خطاب السيسي كان أيضاً رسالة موجهة إلى بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وآخرين في حكومة إسرائيل الذين يحلمون بعملية سلام من دون الفلسطينيين ومن دون تنازلات، سلام يسمح للإسرائيلي والسعودي والكويتي والمغربي بأن يجلسوا معاً ويقيموا علاقات وأعمالاً تجارية مع استمرار الوضع القائم في الضفة الغربية والاحتلال والاستيطان.

•لقد ذكّر السيسي رئيس حكومة إسرائيل بأن لا شيء من دون مقابل في عملية السلام. وإذا كان نتنياهو يريد أن تكون لإسرائيل علاقات مع السعودية واتحاد الإمارات ومصر والأردن من تحت الطاولة بواسطة الجنرال عاموس غلعاد من وزارة الدفاع أو من خلال الدبلوماسيين ظاهرياً التابعين لشعبة العلاقات الخارجية في الموساد والاستخبارات وعبر مهمات خاصة مثلما يفعل اليوم، فلا مشكلة في ذلك. لكن إذا كان يريد علاقات طبيعية، فإن عليه أن يفهم أن الطريق إلى الرياض وأبو ظبي والقاهرة تمرّ في رام الله.

•لا يملك السيسي حلفاء كثيرين في الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل. وقد شرحت وزيرة العدل تسيبي ليفني لكل من يرغب في أن يسمع، أن عدم دعوة إسرائيل لحضور مؤتمر إعمار غزة هو دليل على وضعها السياسي السيئ. وقالت: "هم ببساطة لا يرغبون بوجودنا، وهو مؤتمر يتحدث عن دولة إسرائيل من دون حضورها، وهذا سيئ جداً".

•ووجهت ليفني انتقادها مباشرة نحو رئيس الحكومة نتنياهو قائلة: "أوجه كلامي هذا إلى الذين يتحدثون أمامنا عن أهمية التعاون مع الدول العربية لكنهم غير مستعدين للقيام بالخطوة المطلوبة من أجل عملية السلام". وشددت على أنه "من دون مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، فلن يكون هناك تعاون كامل وحقيقي مع الدول العربية".

•ولا تكمن أهمية خطاب السيسي في ما ورد فيه فقط، بل في صدوره عنه، فالسيسي هو الزعيم العربي الأكثر قبولاً وشعبية بالنسبة لحكومة إسرائيل وشعبها منذ أنور السادات والملك حسين. وفي نظر العديد من الإسرائيليين، فإن وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري وعدم احترامه للقيم الديمقراطية لا يضيرانه.

•وفي نظر العديد من الإسرائيليين، فإن السيسي ليس محمود عباس الذي يتحدث عن إبادة شعب وجرائم حرب ترتكبها إسرائيل في غزة. وهو ليس أردوغان الذي يدعي أن ما تقوم به إسرائيل في غزة أفظع مما قام به هتلر خلال المحرقة، وهو ليس الملك عبد الله ملك الأردن الذي كل بضعة أشهر يعبّر وزراء وضباط رفيعو المستوى عن مخاوفهم حيال استقرار نظامه.

•وفي اليمين والوسط وأغلبية اليسار الإسرائيلي بدءاً من السياسيين رفيعي المستوى في الجهاز السياسي- الأمني، وصولاً إلى المواطن العادي في الشارع، يُعتبر السيسي حليفاً موثوقاً به لإسرائيل يمكن التعامل معه بناء على مصالح مشتركة. كما يرى فيه الإسرائيليون زعيماً قوياً قادراً على فرض النظام في مصر وعلى إعادة الاستقرار إليها، وعلى المحافظة على اتفاق السلام، وهو رجل الأمن الذي حارب "حماس" في غزة والإخوان المسلمين في القاهرة من دون محكمة العدل العليا ومن دون بتسليم.

 

•لذا عندما يتحدث السيسي، فإن الإسرائيليين – داخل الحكومة وفي الكنيست وأولئك الذين يشاهدونه في منازلهم - يصغون إليه ويهتمون بما يقوله. والسؤال المطروح هل سيحاول الرئيس المصري الدفع قدماً بالسياسة التي تحدث عنها في خطابه في القاهرة بصورة فعالة، أم أن ما قاله سيبقى حدثاً منفرداً؟ الرئيس الذي سبقه في هذا المنصب حسني مبارك، زار إسرائيل مرة واحدة خلال الأعوام الثلاثين التي قضاها في الحكم من أجل المشاركة في جنازة رئيس الحكومة إسحق رابين. فهل من أجل الدفع بعملية السلام إلى الأمام سيستجمع السيسي شجاعته ويقوم بزيارة القدس؟ من الصعب معرفة ذلك.