•"إن إمكانية تصدير الغاز [من إسرائيل] هي محض أسطورة. وقد أصغت الحكومة الإسرائيلية أكثر من اللازم لمطالب المستثمرين الذين زعموا أنه يمكن تصدير الغاز. على الحكومة أن تمسك بزمام الأمور بيدها"، ذلك بحسب قول نيك باتلر، مستشار رئيس الحكومة البريطانية السابق غوردون براون لشؤون الطاقة، ونائب رئيس قسم الاستراتيجيا وتطوير السياسات في مجموعة "بريتيش بيتروليوم". ويُعتبر باتلر وهو أستاذ محاضر في جامعة كينغز كوليدج في لندن وصاحب مؤلفات عديدة، خبيراً مطلعاً على دواخل الأمور في أوساط صناعة الطاقة.
•في هذه المقابلة الحصرية التي منحها لـ"غلوبس"، يناقش الخبير البريطاني دور الحكومة الإسرائيلية في اكتشافات مكامن الغاز وفي إدارة هذه الصناعة.
جرى اكتشاف مكمنَيْن كبيرين في الأعوام الأخيرة، هما حقلَيْ "تمار" و"ليفْيَتان"، بالإضافة إلى مكامن أصغر، مثل "شِمشون"، و"كارِيش"، و"داليت"، و"تَنين". يعتقد كثيرون أن هذه الاكتشافات تنطوي على إمكانات مالية كبيرة للبلاد. لكن، من جهة أخرى، هناك قدر كبير من سوء الفهم فيما يتعلق بمسألة الغاز.
• يبلغ الاحتياطي الإسرائيلي من الغاز الطبيعي 990 مليار متر مكعب (BCM). ووقّعت شركات الغاز اتفاقات لبيع 3 مليارات متر مكعب في العام إلى الأردن لمدة 15 عاماً، ونحو 0,3 مليار متر مكعب في العام إلى الفلسطينيين، و4,5 مليار متر مكعب في العام إلى شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية، و7 مليار متر مكعب في العام إلى شركة "بريتيش غاز"؛ ويملك كل من الشركتين منشأة لإسالة الغاز في مصر. وحتى قبل بضعة أشهر، كان لا يزال مستثمرو الغاز يدرسون إمكانية تصدير الغاز المسال إلى منطقة الشرق الأقصى.
•س: هل تغيّر هذه الاتفاقات رأيك حول خطأ شركات الغاز في تركيزها على التصدير؟
ج: "جميع خيارات التصدير المذكورة معقدة إما اقتصادياً أو سياسياً. إن تصدير الغاز المسال (LNG) مكلف جداً. وليست عملية إنتاج الغاز الإسرائيلي مجدية بالقدر الكافي لمنافسة الغاز المسال المنتج في بلدان أخرى. وتكمن الكلفة الأساسية في نقل الغاز. فمن أجل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الشرق الأقصى، على الناقلات أن تعبر واحداً من اثنين من الممرات المائية. ويزيد ممر قناة السويس من كلفة نقل الغاز بسبب رسوم العبور. كما أن التفاف ناقلات النفط حول جنوب أفريقيا مكلف أيضاً بسبب طول المسافة. وفي الحالين، ستكون تكاليف النقل مرتفعة جداً. وعلى الغاز الإسرائيلي أن ينافس الغاز الآتي من شرق أفريقيا، وإندونيسيا، وقطر، وتركمانستان، وأستراليا. وسيكون أكثر هذه الخيارات كلفةً".
•س: وقّع الشركاء في حقل"ليفْيَتان" مذكرة تفاهم مع شركة "وودسايد" الأسترالية لشراء حصة 25% من الحقل مقابل 2,7 مليار دولار، لكن الشركة الأسترالية تراجعت عن الصفقة. ما هو السبب بحسب رأيك؟
ج: "على حد علمي، كانت الصفقة مبنية على فرضية أنه سيجري تصدير الغاز في شكله السائل. لكن، مثلما سبق أن قلت، هذا ليس مجدياً من الناحية الاقتصادية. ومن هنا، فإن شركة "وودسايد" محقة في تخليها عن الصفقة. ويجب أن تكون خطط الشركاء في حقل ليفْيَتان أكثر واقعية."
•س: ما هو رأيك بشأن تصدير الغاز الطبيعي إلى البلدان المجاورة؟
ج: "لا يحتاج الأردن إلى كميات كبيرة من الغاز، كما أن تصدير الغاز إلى مصر وتركيا عبر خطوط الأنابيب ينطوي على مخاطر سياسية تدركونها جيداً. ومن شأن الغاز الإسرائيلي أن يكون رافعةً للتنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ما ينجم من ذلك من فوائد سياسية. وإذا قررت الحكومة [الإسرائيلية] تصدير الغاز إلى الأردن والفلسطينيين، سيكون ذلك لدواع سياسية مبررة."
•س: بالنظر إلى ندرة فرص التصدير التي أشرت إليها، بماذا تنصح الحكومة الإسرائيلية؟
ج: "على الحكومة أن تقرر وضع تطوير اقتصاد الطاقة المحلي على رأس سلم أولوياتها، وكل من يقول خلاف ذلك لا يفقه سوق الغاز العالمي".
•س: إن احتياطي الغاز الحالي يكفي الطلب المحلي من الغاز 75 عاماً، ويسهم الغاز حالياً في توليد بين 55 و60% من الطاقة الكهربائية في إسرائيل، وهذه من أعلى النسب في العالم. وفي هذه الظروف، ألا توافق على أن هناك مجالاً للتفكير بفرص التصدير؟
ج: "قد تكون الحسابات صحيحة إذا كان الهدف الموضوع هو توليد 70% من الكهرباء باستخدام الغاز. لكن بحسب رأيي، الهدف خاطئ. على الحكومة أن تستهدف توليد 90% من الكهرباء بواسطة الغاز. وبالإضافة إلى الكهرباء، على الحكومة أن تخطط لاستخدام الغاز في قطاع النقل والمواصلات وفي الصناعات البيتروكيميائية. وتولّد هذه المشاريع الجديدة استثمارات كبيرة كما أنها توفر فرص عمل كثيرة في البلد".
•س: بحسب تقديرات سابقة لجمعية الصناعيين في إسرائيل، يوفّر تحويل 400 مؤسسة صناعية في إسرائيل للعمل على الغاز نحو 1,8 مليار شيكل في العام. هناك حالياً عشرة مصانع مربوطة بشبكة توزيع الغاز، ستة منها فقط تستخدم الغاز حالياً. هل هذا الوضع ملائم للأهداف التي تقترحها؟
ج: "يدهشني اقتناع الحكومة الإسرائيلية بالوضع الراهن. عليها أن تبذل كل ما في وسعها لإيصال الغاز إلى الصناعة، وقطاع النقل والمواصلات، وحتى المنازل"...
•س: تريد الحكومة حقاً أن يستفيد الناس من الغاز، ولذا قررت تأسيس صندوق [ثروة سيادي]، من المتوقع أن تبلغ موجوداته 75 مليار دولار بحلول العام 2037، بالإضافة إلى 55 مليار دولار ستذهب لفائدة موازنة الدولة. هل ترى هذا الأمر صائباً؟
ج: "أليس من الأفضل سداد الديون ومساعدة الفئات الضعيفة وخفض الضرائب؟ بحسب علمي، ليس في رصيد الصندوق فلس واحد حتى الآن. وآسف أن أقول لكم إنه لن يكون هناك أي صندوق أو أي خفض للضرائب طالما بقي الغاز في باطن الأرض. فقد اكتُشف حقل "ليفْيَتان" قبل أربعة أعوام ولم يحدث شيء بعد. ويتطلب تطويره أن نكون واقعيين حيال ما يمكن أو لا يمكن فعله بالغاز. وإذا جرى تطويره، من الحكمة إيداع بعض العائدات في صندوق لفائدة الأجيال القادمة. وأقترح أن نستأنف حديثنا عندما يدنو موعد بدء تطويره".