•خلال عملية "الجرف الصامد" وبعدها، توقف رئيس الحكومة نتنياهو أمام أهمية العلاقات التي بدأت تتشكل بين إسرائيل والجزء السني من العالم العربي، خاصة مع مصر التي لدينا معها مصالح مشتركة سواء في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني أو بسيناء وفي مجالات أخرى. وتستند هذه المصالح الإقليمية المشتركة بالدرجة الأولى إلى الموقف الموحد ضد المشروع النووي الإيراني، وطموحات طهران للهيمنة، والصراع ضد الإسلام السياسي الذي هو من نتاج الإخوان المسلمين، والذي يُعتبر "داعش" الوجه الأكثر تطرفاً لكن ليس الوحيد، فهو يشمل ايضاَ "حماس" التي تشكل خطراً على جوهر وجود أغلبية دول المنطقة.
•ثمة عوامل أخرى مثل خيبة الأمل وتخوف هذه الدول مما يرونه سلبية أو تجاهلاً من جانب إدارة أوباما للأخطار المذكورة، وبرز هذا التوجه عبر اعلان الولايات المتحدة أنها ستنقل محور نشاطها السياسي والأمني من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى. وقد أحسنت إسرائيل قراءة الخريطة عندما فضلت المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في "الجرف الصامد" على المبادرة التي تعتمد على قطر وتركيا اللتين تدعمان "حماس". كما أن إسرائيل تشارك المخاوف المذكورة أعلاه لهذه الدول، لكنها لا تريد ولا تستطيع إدارة ظهرها لحليفتها التقليدية والأكثر ولاء، الولايات المتحدة.
•إن تمهيد الطريق للتحالف الاستراتيجي مع مصر والسعودية والأردن واتحاد الإمارات والكويت والبحرين لا يتناقض مع العلاقات الخاصة مع أميركا. إلى جانب ذلك، فإن المصالح والتحالفات قد تتغير بسرعة ولا سيما في الشرق الأوسط. ومهما كانت الروابط البراغماتية التي تربط حالياً بين المصلحة الإسرائيلية ومحور الدول العربية المعتدلة وثيقة، فإنها لن تشكل بديلاً عن التحالف مع الولايات المتحدة، ولا عن قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية.
•ومن المفترض أن تشكل السلطة الفلسطينية جزءاً من هذا المحور السني المعتدل (على الرغم من أن التصريحات التي سمعناها من بعض زعاماتها في نهاية الأسبوع تطرح شكوكاً كبيرة بشأن هذا الاعتدال). كما يمكن افتراض أن مصر والسعودية وحلفاءهما الآخرين سيهمهم بدء عملية سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لأن ذلك سيؤدي إلى إبعاد هذا الموضوع المزعج عن جدول الأعمال، وسيضعف تحديداً "حماس" وقطر وتركيا، وسيسمح بالانصراف إلى الموضوع الأساسي وهو مواجهة الإسلام السني والشيعي المتطرف، ومعالجة الدمّلة السورية والعراقية والليبية. واستناداً إلى أنباء غير مؤكدة، فقد طرحت مصر أفكاراً مبتكرة من أجل المساعدة في حل المشكلة الفلسطينية، وحتى في السعودية بدأ يتضح لهم أن "إسرائيل ليست عدواً".
•لإسرائيل مصلحة أساسية وملموسة في دفع هذه المسارات قدماً من دون المبالغة في أمل نجاحها، وخاصة أن أبو مازن لا يبدي دلائل على استعداده للدخول في مفاوضات حقيقة مع إسرائيل. وحتى لو غيّر موقفه الرافض تحت ضغوط دول عربية معتدلة، فلا شيء يضمن أن يسمح له بذلك خطر "حماس" التي تعرضت لضربة قوية في غزة لكنها لا تزال تحظى بتأييد كبير في الضفة الغربية. لكن على الرغم من ذلك كله، فمن المحتمل أن تكون فُتحت صفحة جديدة في الاصطفافات السياسية للمنطقة وفي الوقائع التي تبرر بناء خطوات للثقة.
•في هذه الأثناء، تشكل الائتلاف بقيادة أميركا من أجل محاربة "داعش" ووصفته إحدى الصحف الأميركية بأنه "ائتلاف دول راغبة ودول غير قادرة"، ومع ذلك لا بد من الثناء على قرار الرئيس أوباما. مع أن الدول العربية الحليفة لأميركا لا تزال غير مقتنعة بأن هذه الخطوة هي بمثابة تحول حقيقي في السلوك الأميركي حيال الشرق الأوسط، ولا سيما أن تدخل الولايات المتحدة في الحرب سيقتصر على الهجمات الجوية. ويمكن أن نتوقع أنه مثلما جرى في عملية "الجرف الصامد"، فإن المدنيين سوف يتعرضون للأذى وسوف يضطر الرئيس الأميركي إلى أن يوضح أن هذا أمر لا مفر منه في الحروب ضد الإرهابيين الذين يحولون السكان المدنيين إلى دروع بشرية.
•وعلى الرغم من توجه إسرائيل نحو تنمية علاقاتها الإقليمية، فإنها قررت عدم الانضمام إلى الائتلاف الإقليمي لكنها ستساعده بوسائل أخرى. ومثلما شرح اللواء (في الاحتياط) داني ياتوم الرئيس السابق للموساد، فإن ماضي العديد من الأطراف التي تجندت في هذا الائتلاف وطبيعتها، ستجعلها في المستقبل جزءاً من جبهة الإرهاب ضد إسرائيل.