•يجب أن نقول بصدق إننا لا نعرف ما إذا كنا انتصرنا أم خرجنا متعادلين من المعركة مع تنظيم إرهابي هو مَن بادر إلى شن هذه الحرب. صحيح أن "حماس" تلقت ضربة قاسية وخسرت قدراتها العسكرية إلى جانب مقتل أكثر من ألف من مقاتليها، لكن إسرائيل أيضاً خسرت 70 قتيلاً 64 منهم جنود في الجيش الإسرائيلي. وحتى الآن لا يوجد حل مرض يضمن أمن المستوطنات القريبة من السياج الحدودي في مواجهة قذائف الراجمات والصواريخ القصيرة المدى وحتى الصواريخ المضادة للمدرعات التي قد تطلق على باصات تنقل أولاداً إلى المدارس في منطقة مجلس إشكول الإقليمي أو في النقب.
•إن اتفاق وقف إطلاق النار غير المحدد زمنياً الذي دخل حيز التنفيذ مساء (الثلاثاء) هو حتى الآن إنجاز تكتيكي لا يضمن تهدئة ثابتة وطويلة الأمد لمستوطنات النقب الغربي ولإسرائيل كلها. صحيح أن "حماس" هي التي سعت إلى هذا الاتفاق وحتى توسلت من أجله، لكنها معروفة بأنها تخرق دائماً اتفاقات وقف إطلاق النار، وبأن إيلام الإسرائيليين وسفك دمائهم أهم بالنسبة إليها من غريزة البقاء والاهتمام بسلامة المواطنين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها. لذا حسناً فعل المصريون وحسناً فعلت الحكومة الإسرائيلية عندما طالبوا بوقف إطلاق للنار يستمر لمدة شهر على الأقل قبل بدء مناقشة مطالب "حماس". وعندما ستبدأ المفاوضات يجب أن نكون مستعدين لأن تحاول "حماس" الضغط للقبول بمطالبها بواسطة استئناف إطلاق النار، لذا بدلاً من أن نسمي الاتفاق "وقف إطلاق نار دائم" يجب أن نطلق عليه "وقف إطلاق نار مشروط."
•إن السبب الأساسي الذي من أجله ستحافظ "حماس" على الهدوء هو الحاجة إلى إعادة إعمار قطاع غزة. ويجب أن نعترف بأن عمليات سلاح الجو خلال الأيام الثمانية الأخيرة، والإنجاز الاستخباراتي المتمثل في اغتيال مسؤولين كبار في الجناح العسكري للحركة، حالا دون الحاجة لعملية برية في القطاع وفرض وقف إطلاق النار من خلال إسقاط "حماس"، الأمر الذي كان سيكلفنا ثمناً باهظاً.
•إن السؤال الذي يتعين على إسرائيل أن تواجهه هو: ماذا ستفعل إذا خرقت "حماس" أو إحدى التنظيمات الغزاوية وقف إطلاق النار، سواء إذا كان المقصود حفر أنفاق، أو إنتاج صواريخ أو زرع عبوة بالقرب من السياج؟ فإذا لم ترد إسرائيل بعنف وحزم على أبسط خرق، فإنها ستخسر الردع الذي حققته في هذه العملية. ولن تكون هناك فائدة لكل ما قام به سلاح الجو والقوات البرية وسلاح البحر إذا مارست إسرائيل ضبط النفس تجاه خرق الاتفاق.
•ويمكن القول إن اختبار وقف إطلاق النار لن يكون فقط في خرقه من جانب "حماس" أو الجهاد الإسلامي أو لجان المقاومة الشعبية، بل وأيضاً في رد إسرائيل على أول خرق. فبعد الانسحاب من لبنان [أيار/مايو 2000] والانفصال عن غزة [حزيران/يونيو 2005] لم ترد إسرائيل على الخروقات، واضطرت نتيجة لذلك إلى القتال في ظروف أكثر صعوبة. لذا يجب الامتناع عن تكرار ذلك بأي ثمن.
•الاختبار الثاني للاتفاق هو تفاصيل التسوية التي سيبدأ بحثها بعد شهر. وفي الواقع لإسرائيل مطالب في ثلاثة مجالات:
ترتيبات أمنية تمنع شن هجمات على السياج الحدودي وإطلاق قذائف مدفعية وحفر أنفاق.
•منع "حماس" من إعادة بناء قوتها، وهذا الأمر يجري حله في هذه الأيام من خلال تدمير مصر أنفاق التهريب في رفح ومراقبتنا للمساعدة الانسانية التي تمر في المعابر. وفي المستقبل عندما يفتح معبر رفح سيحرص رجال أبو مازن على عدم انتقال السلاح من مصر إلى غزة.
•إعادة الإعمار، وهنا ستفرض إسرائيل المعادلة التالية: إعمار مقابل تجريد غزة من السلاح الثقيل، أي صواريخ وقذائف وراجمات وصواريخ مضادة للدبابات وطائرات من دون طيار، كما يجب أن يشمل نزع السلاح تفكيك منشآت تصنيع الصواريخ. وبهذه الطريقة لا تتخلى إسرائيل عن مطلبها نزع سلاح غزة.
•في الخلاصة، لا نعرف ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد، لكن إذا جرى ذلك تكون العملية حققت أهدافها، فقد ضعفت "حماس" عسكرياً، ودمرت الأنفاق، وتلقت منظومة تصنيع الصواريخ ضربة قاسية، ويتعين علينا ألا نتأثر كثيراً بصيحات الابتهاج في شوراع غزة.
•لكن يجب على إسرائيل أن تتفحص ما جرى جيداً، وبخاصة سلوك الحكومة، فلو كان المجلس الوزاري المصغر أعطى الأوامر للجيش الإسرائيلي بتدمير الأنفاق التي كان على علم بها قبل حزيران/يونيو 2014، لكانت هذه العملية انتهت بعدد أقل من القتلى وفي وقت أقصر بكثير.
•كما أخطأ وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الحكومة بعدم إخلاء المستوطنات من الأولاد ومن الذين لا حاجة لوجودهم فيها.
•إن السلوك المعيب لأعضاء المجلس الوزاري، وتبادل الاتهامات بين رئيس الحكومة والوزراء أضر بالقدرة على تحقيق الردع وأطال أيضاً أمد المعركة وأشاع انطباعاً بعدم وجود هدف أو أسلوب، وأدى إلى تراجع المناعة الوطنية وشجع "حماس" على الاستمرار في إطلاق النار.
•إن المعركة لم تنتهِ ولكن انتقلت إلى المجال السياسي والدبلوماسي والقضائي على الساحة الدولية.