من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•عندما واجه مقاتلو لواء غولاني مقاومة شرسة وتكبدوا خسائر في المعركة مع "حماس" في حي الشجاعية شرقي غزة، في 20 تموز/يوليو، هب سلاح الجو إلى نجدتهم وهاجم خلال 50 دقيقة 126 هدفاً في الحي قُصف معظمهم بقنابل تزن كل واحدة منها طناً. وقد خلف هذا القصف دماراً هائلاً في الحي الذي اضطر أغلبية سكانه إلى مغادرته قبل ذلك بطلب من الجيش الإسرائيلي. وقد غير ما حدث صورة المعركة بصورة كبيرة وسمح للقوات البرية بالتقدم لإتمام المهمة، فقامت بتأمين النفق الذي جرى تحديده من قبل وبدأ العمل على تدميره. وقد جرت الهجمات الجوية المركزة، بتوقيت وعلى مسافة بين الأهداف والجنود الذين كانوا على الأرض مقدارها أقل من 250 متراً.
•وعبر طيارون مخضرمون عن دهشتهم لدى سماعهم بما جرى نظراً للمجازفة التي يشتمل عليها هذا النوع من الهجمات، لكن على الرغم من ذلك لم تؤدِ هذه الهجمات إلى إصابة أي جندي.
•لقد جرت حرب غزة هذه المرة من خلال تعاون وثيق ومساعدة جوية أقوى للقوات البرية. ولم تتكرر الادعاءات التي سمعناها في حرب لبنان الثانية[حرب تموز/يوليو 2006] بشأن إهمال سلاح الجو للقوات البرية وانشغاله بمهمات أخرى. كما أن القيود التي يصطدم بها عادة سلاح الجو والمتمثلة بصورة أساسية بالصواريخ المضادة للطائرات وغير الفعالة لم تكن موجودة هنا. فالعائق الأساسي كان إصابة الأهداف الموجودة في قلب المناطق المكتظة سكانياً مع تقليص إصابة المدنيين إلى أقل حد ممكن. وبمقدار ما طالت المعركة البرية، وواجهت القوات خطراً على أمنها من البر، بمقدار ما أصبح التحدي أكثر صعوبة.
•إن مهاجمة العدو من بعيد بصورة خاصة بواسطة سلاح الجو، ومن خلال الاعتماد الواضح على معلومات استخباراتية دقيقة من الاستخبارات العسكرية ومن الشاباك هو الجزء الأول الأساسي في أي عملية عسكرية كبيرة إسرائيلية. إن الإعداد للمناورة البرية يتطلب وقتاً لسببين: الأول يتعلق بمنظومة اتخاذ القرارات، ولا يغير شيئاً عدد المرات التي سيقولون لنا فيها أنهم تعلموا من أخطاء الماضي وأن الجيش لن يضيع وقته، وأن المستويين السياسي والعسكري الرفيعين لن يترددا أبداً في إدخال الجنود إلى داخل المناطق المبنية سواء في غزة أم في جنوب لبنان.
•السبب الثاني يتعلق بالوقت الذي يتطلبه الإعداد المطلوب. فبينما تستطيع طائرات الجو أن تكون مستعدة للقيام بالهجوم الأول خلال دقائق، فإن القوات البرية تحتاج إلى وقت أطول بكثير من أجل الانتشار في الجبهة ونقل العتاد والمركبات واستكمال جميع الخطط العملانية وإحكامها. وينطبق هذا على الجيش النظامي وعلى الاحتياطيين.
•في الأيام الأولى للقتال تحدثت قيادة الأركان العامة وقيادة سلاح الجو عما أسموه "خريطة الألم" "لحماس". واستندت هذه النظرة إلى الافتراض بأن الضرب التدريجي والمتصاعد لأرصدة "حماس" سيقلص رغبتها في القتال وسيدفع قيادتها إلى الموافقة السريعة على وقف إطلاق النار، ويمكن أن نحكم اليوم بأن هذه الفكرة لم تنجح.
•ومن المحتمل أن عدم نجاح هذه الفكرة يكمن في الفوارق بين غزة وبين لبنان، الجبهة الأساسية التي يستعد لها الجيش الإسرائيلي الآن. ففي الشمال يملك حزب الله وحكومة لبنان الكثير من الأرصدة التي قد يخسرونها: هناك مربع الضاحية الشيعية، الذي دُمر في حرب 2006، ومنشآت بنية تحتية مدنية كبيرة، من مطار بيروت إلى شبكة الطرقات ومحطات توليد الطاقة. في المقابل فإن أرصدة "حماس" في غزة أصغر، والحركة معتادة على القتال من موقع ضعف. وعلى عكس لبنان، لا مجال لزرع الخلاف بين حماس والسلطة في غزة لأنها هي التي تمثل هذه السلطة. صحيح أن سلاح الجو قصف مراكز قيادة الحركة ومنازل زعمائها لكن الحركة حرصت على عدم إظهار ضائقتها بصورة علنية خلال الحرب. ومن المحتمل أن يساعد الدمار الذي حصل في لجم الحركة قبل أن ينشب قتال مجدداً في القطاع.
•إذا نشبت حرب جديدة ضد حزب الله، فإن قوة النار التي استخدمتها إسرائيل في القطاع ستبدو ضئيلة بالمقارنة مع النار التي ستستخدمها في لبنان. وستبدأ الحرب كلها بصورة عنيفة جداً ولن يكون هناك إشارات تحذير أو هجمات على مكاتب فارغة. ويعود ذلك إلى أن منظومة الصواريخ التي يملكها الحزب أكثر تطوراً بكثير بالمقارنة مع تلك التي كانت لدى الفلسطينيين في بداية الحرب الحالية. فلدى حزب الله أكثر من 100 ألف صاروخ يستطيع الوصول إلى شتى أنحاء إسرائيل، وهي صواريخ دقيقة جداً وفتاكة، ويستخدم الحزب أساليب إخفائها واستخدامها عن بعد مثلما فعلت "حماس".
•في مواجهة هذا الخطر ستكون التغطية التي تقدمها منظومة الصورايخ الاعتراضية أقل شمولية. فالمنظومات التسع للقبة الحديدية التي استخدمتها إسرائيل في حرب غزة كانت كافية وسمحت بالحد من الخسائر التي يمكن أن تلحقها الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل. أمّا في مواجهة لبنان، فستحتاج إسرائيل إلى المزيد من هذه البطاريات، إلى جانب استكمال تطوير منظومة العصا السحرية لاعتراض الصواريخ ذات المدى المتوسط، واستخدام منظومة حيتس للصواريخ البعيدة المدى.
•إذا اندلعت الحرب في الشمال فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستتكبد خسائر وستصاب بأضرار منذ البداية، ولن تكون الحكومة قادرة على انتظار الحصول على شرعية دولية لخطواتها. وسيكون الرد الإسرائيلي قاسياً جداً منذ اللحظة الأولى وحتى انتشار القوات البرية، وسوف يعتمد الانجاز العسكري على مفعول القوة الساحقة لسلاح الجو.
•إن الذكر المتكرر لحرب لبنان الثانية والاستعداد لحرب لبنان الثالثة ليس هوساَ فردياً أو عاماً، بل هو السياق الصحيح للنظر إلى حرب غزة ومقارنتها مع مواجهة محتملة جديدة في الشمال. ورغم الاختلاف بين لبنان 2006 وغزة 2014 (العدو في لبنان كان أقوى بكثير، وخيبة الأمل من نتائج الحرب كانت أكبر بكثير وكذلك إحباط الجمهور) فإنه توجد خطوط تشابه بينهما، مثل التردد بشأن توجهات العملية، والخوف من خسائر المعركة البرية، وحقيقة أن الحرب انتهت من دون حسم، والإدراك باحتمال حدوث جولة جديدة من العنف. إلى جانب ذلك من الواضح أن حزب الله يتأمل ما يجري في الجنوب ويقوم باستخلاص الدروس. وإذا كان هناك ما يجمع عليه قادة الجيش الإسرائيلي الكبار فهو أن حزب الله، بتوجيه من مدربيه الإيرانيين هو منظمة تحرص على التعلم، وتجيد التحليل واستخلاص النتائج.
•الخلاصة النهائية؛ هل وجهت إسرائيل ضربة قاسية "لحماس" كما تدّعي؟ وما هو الردع الذي سيتحقق بعد هذه الحرب؟ مضطرون للانتظار لمعرفة ذلك. في هذه الأثناء يمكننا الافتراض بأن لدى حزب الله أنفاقاً هجومية حفرها تحت الحدود، رغم عدم وجود دلائل عليها لدى الجيش. فقد سبق للحزب أن حفر أنفاقاً دفاعية بعضها بالقرب من الحدود قبل حرب 2006. في شهر نيسان/أبريل هذه السنة أشار تقرير نشرته "هآرتس" عن تغيير في سياسة الحزب، وأنه قد تبنى توجهاً أكثر هجومية رداً على الخطوات الاستفزازية الإسرائيلية، وبدا أنه أقل خوفاً من ردود الجيش الإسرائيلي مما كان عليه قبل الحرب الأخيرة.
•وذكر مقال نشره ضابط في الاستخبارات العسكرية برتبة عقيد في المجلة العسكرية "معرا خوت" احتمال أن تكون تهديدات الأمين العالم لحزب الله، حسن نصر الله، بشأن احتلال الجليل تعكس خططاً مختلفة للحزب: فبدلاً من حرب استنزاف سيعمد إلى بدء الحرب المقبلة بعملية محدودة داخل أراضي إسرائيل. وفي أعقاب ما حدث في غزة في الشهر الماضي، يمكننا الافتراض بأن الأنفاق باتت جزءاً من سيناريو الحرب في الشمال.