وقف الرحلات الجوية إلى إسرائيل يشير إلى رغبة الولايات المتحدة في وقف العملية في غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•الرسالة السياسية الأكثر أهمية هذا الأسبوع هي تلك التي أرسلتها الإدارة الأميركية إلى إسرائيل يوم الثلاثاء بواسطة إدارة الطيران الفدرالي. ويبدو أن قرار منع الرحلات إلى إسرائيل لم يأت على خلفية مهنية فقط. 

•صحيح أن الصاورخ الوحيد الذي سقط في يهود لامس حدود الخطر الذي تنص عليه التوجيهات الأميركية، فقد سقط على بعد 1,6 كيلومتراً من حدود مطار بن غوريون، لكن الإدارة الأميركية لم توقف تعليمات إدارة الطيران الفدرالي، بل وحتى من المحتمل أنها شجعت على إصدارها. وخلال ساعات أوقفت شركات الطيران الأميركية رحلاتها إلى إسرائيل ومنها. وانضم إليها عدد من الشركات الأوروبية.

•رأت إسرائيل في هذه الخطوة طعنة في ظهر الجهد الحربي لأن القبة الحديدية لم تعترض هذا الصاروخ تحديداً تقيداً بالتعليمات الشديدة الحذر المتخذة بالقرب من المطار وبالنسبة لحركة الطائرات المنطلقة منه. وفيما يعجّ حساب تويتر للسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو يومياً بالتغريدات التي تعبر عن دعمه الكامل لحق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، أظهر المسؤولون عنه في واشنطن أن لهم موقفاً مختلفاً تماماً، ومن الصعب التخلص من الانطباع بأن وقف الرحلات الجوية لم يكن من قبيل المصادفة. ففي واشنطن لم ينسوا دور رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في إفشال مبادرة وزير الخارجية جون كيري للسلام، كما أن العلاقات الشخصية بين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما ظلت واهية. صحيح أن الولايات المتحدة لم تدن عمليات الجيش الإسرائيلي في القطاع باستثناء التعبير عن قلقها العام والدائم حيال مقتل المدنيين من الطرفين، لكن لديها على ما يبدو وسائل أخرى كي تلمح لنتنياهو أنه حان الوقت في رأيها لإنهاء العملية.

وتتضح الخلفية السياسية للقرار الأميركي في ضوء سلوك شركات طيران أخرى مثل شركة الطيران البريطانية (British Airways) التي لم توقف رحلاتها لحظة واحدة. فإذا كانت شركة ضخمة مثلها واصلت رحلاتها، فهذا يعني أنها درست جيداً النتائح الأمنية والاقتصادية للقرار. 

•بعد ظهر أمس، أعلنت الإدارة الفدرالية تغيير سياستها واستئناف الرحلات. وسارع نتنياهو إلى إعلان أن "الضغوط التي مارسناها ساهمت في عودة الرحلات". فإذا كان القرار مهنياً، لماذا إذن تدخل نتنياهو؟

من جهتها، سارعت واشنطن إلى تصوير وقف الرحلات 35 ساعة بأنه خطوة تقنية ليس لها أي مغزى سياسي. وردّ البيت الأبيض بصورة مواربة على ما جرى بأنه أُبلغ بقرار إدارة الطيران الفدرالي تعليق الرحلات إلى إسرائيل، ورأى من الأفضل ألا يتدخل. لكن موقف الإدارة من هذه المسألة سواء كان موقف كيري أو أوباما يكشف عن عدم فهم عميق للمشاعر في إسرائيل، إذ يوجد هنا شعور بالحصار النابع من صعوبة مغادرة الدولة عبر المعابر البرية، وهذا الشعور يزداد حدة في أوقات التوترات الأمنية ولا سيما في أيام الحرب. الكثير من الإسرائيليين يشعرون بأن العالم كله ضدهم. وهم سيسألون أنفسهم اليوم هل نستطيع أن نثق بأن الولايات المتحدة ستظل تقف إلى جانبنا في مواجهة التحديات الأمنية الكبرى التي تنتظرنا؟

•إن ما لم تفهمه واشنطن تفهمه "حماس" جيداً، فمنذ منتصف الأسبوع ترسل الحركة يومياً صليات من الصواريخ في اتجاه المنطقة المتاخمة للمطار، وقد جرى اعتراض هذه الصواريخ بنجاح. لكن "حماس" رفعت أسلوب المضايقة من خلال "الضغط على مطار بن غوريون"، فقد قال رئيس المكتب السياسي في "حماس" خالد مشعل في خطاب ألقاه في قطر إن الحركة ستفرض حصاراً جوياً على إسرائيل عقاباً لها على الحصار الجوي الذي تفرضه على سكان غزة. 

•وفي الواقع تجري دراما المطار على هامش تطورات أساسية اخرى هي مساعي التوصل إلى وقف النار. فأول من أمس بحث المجلس الوزاري المصغر في هدنة إنسانية لعدة أيام. واعتبرت إسرائيل أن الفكرة مفيدة لأنها تشكل عودة إلى صيغة "هدوء مقابل هدوء" التي لا تضطرها إلى تقديم تنازلات في هذه المرحلة. لكن الجيش يفضل الاستمرار في الاحتفاظ بالمواقع التي يسيطر عليها حالياً بهدف الكشف عن المزيد من الأنفاق وتدميرها. وحتى مساء أمس عُثر على نحو 35 نفقاً هجومياً أكثرها حفر تحت السياج  ويصل إلى داخل أراضي إسرائيل. ويحتاج الجيش للقضاء تماماً على الأنفاق إلى أسبوعين آخرين. لكن هذه المرة ثمة شك بأن توافق "حماس" على هذه الخطوة التي ستجعل إسرائيل تسيطر على مشروع الأنفاق الاستراتيجي وستسمح لها بمواصلة تدميرها.

•من جهة أخرى، تدرك "حماس" أهمية عيد الفطر، نهاية شهر الصوم الذي يحل يوم الاثنين القادم، ولا سيما أن الضغط على السكان في غزة كبير للغاية. فاستناداً إلى تقديرات المنظمات الدولية، دُمّر في القطاع أكثر من ألف منزل، ولحقت أضرار بأكثر من 20 ألفاً من جراء الهجمات الإسرائيلية. ويقدر الضرر العام بنحو 700 مليون دولار. من هنا، فإن وقف النار الإنساني سيمسح بالتخفيف قليلاً عن سكان القطاع وسيساعد "حماس" في تنظيم قواتها. وحتى يوم أمس بلغ عدد القتلى في القطاع نحو 700 فلسطيني، بينهم حسب تقدير الجيش 200 مسلح من أعضاء التنظيمات وإن كان العدد الحقيقي أكبر بكثير ولن يتضح إلا بعد وقف المعارك، وتحاول "حماس" حالياً التعتيم على خسائرها.

•تكمن مشكلة "حماس" في ما سيحدث بعد اتفاق وقف النار الشامل على افتراض أن الجيش سيواصل ضرب الأنفاق وأن الحركة ستخسر جزءاً أساسياً من قدراتها الهجومية. وحتى مخزونها الصاروخي سيكون من الصعب إعادة ملئه من جديد بالسرعة السابقة. فعلى عكس ما جرى بعد عملية "عمود سحاب" في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، يوجد في مصر اليوم نظام عسكري معاد لـ"حماس" وصديق لإسرائيل. وتجد القاهرة نفسها محاطة بكيانات إسلامية متطرفة أكثر فأكثر، من غزة مروراً بالسودان وحتى ليبيا التي تسودها الفوضى بسبب التنظيمات القريبة من القاعدة. وعلى الأرجح، فإن التهريب عبر الأنفاق من سيناء إلى غزة لن يعود ما دام أن الأمر مرتبط بالقاهرة. وسوف تضطر "حماس" إلى الاعتماد على قدرات التصنيع الذاتية للصواريخ المتوسطة المدى التي كما رأيناها ليست دقيقة ولا فاعلة.

 

•بيد أن التخبط في الجانب الإسرائيلي ليس بسيطاً. فحتى الآن كان هناك تناغم بين القيادتين السياسية والعسكرية. وحتى أجواء المجلس الوزاري تبدو هادئة، فوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي يبدو في الخارج صقرياً متطرفاً، هو في معظم الأحيان الرجل الأكثر اعتدالاً داخل الغرف المغلقة. وحتى الوزير نفتالي بينت هدأ بعد الأيام الأولى من الشجار. فاليوم أصبح واضحاً سبب عدم رغبة رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع يعلون ورئيس الأركان بني غانتس في التورط البرّي الذي سينجم عن توسيع العملية. لكن بعد وقت قصير سيضطرّ نتنياهو إلى أن يأمر الجيش إما بالتراجع أو بالتقدم، لأن استمرار المراوحة التي بدأت اليوم أسوأ من أيّ شيء آخر.