عدم تحقيق إنجازات يمنع إسرائيل و"حماس" من الموافقة على وقف النار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•بالأمس (الثلاثاء) تراجعت قليلاً حدة الاشتباكات مما قلص بصورة كبيرة حجم خسائر الجيش الإسرائيلي في القتال البري في قطاع غزة. وواصلت طواقم من لواء المشاة وكتيبة الهندسة البحث عن أنفاق على طول السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة، وتعرضوا أكثر من مرة لمحاولات هجوم من جانب "حماس". وحتى ساعات المساء قُتل جندي من كتيبة الهندسة وعشرات الفلسطينيين أكثرهم وفق الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي من المسلحين.

•حتى الأمس عثر الجيش الإسرائيلي على 29 نفقاً هجومياً يقود إلى أراضي إسرائيل نصفهم تقريباً يصل إلى الجهة الشرقية من الجدار الحدودي. ويجري تدمير الأنفاق في وقت واحد في جميع المناطق، لكن ذلك ينطوي على مشكلات تقنية عديدة. واستناداً إلى القادة، ثمة حاجة إلى عدة أيام من أجل إلحاق أضرار معينة بجميع الأنفاق، لكن المعالجة الكاملة للموضوع بحاجة إلى أسبوعين، والجيش مستعد للاحتمالين، وسوف يتخذ القرار بما يتلاءم مع مسألة التقدم على المسار السياسي.

•مع مجيء الأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، ثمة اقتراحان يدرسهما الطرفان. يطرح اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة إعلان وقف نار إنساني لوقت غير محدد، وفور دخوله حيز التنفيذ تبدأ اتصالات التسوية.

•أما الأميركيون فيطرحون اقتراحاً مختلفاً إلى حد ما، هو العودة إلى الاقتراح المصري الأساسي ("هدوء مقابل هدوء"، وإعادة تطبيق تفاهمات عملية "عمود سحاب" لسنة 2012)، من خلال تعهد مكتوب من جانب القاهرة و"حماس" يقضي بالبدء السريع بالتفاوض على مطالب اقتصادية مثل فتح معبر رفح وتأمين دفع رواتب 43 ألف موظف حكومي في غزة بواسطة المساعدات المالية من الخليج. وقد رفضت إسرائيل وقف إطلاق نار إنساني لبضع ساعات بحجة أن "حماس" ستستغله كي تنظم صفوفها من جديد وتعاود هجماتها ضد الجنود الموجودين في القطاع.

•وفي الواقع، ترى إسرائيل فوائد في الاقتراحين المقدمين من الأمم المتحدة ومن الأميركيين، لكنها لا تريد الإسراع في الالتزام وتفضل أن تترك "حماس" تردّ أولاً. ويبدو أن السبب في ذلك صعوبة سياسية. ففي وسط الجمهور الإسرائيلي وبرغم الخسائر، ما يزال هناك تأييد لاستمرار العملية. ويتخوف رئيس الحكومة من وقف العملية قبل تحقيق إنجاز عسكري مهم بما فيه الكفاية، ولا سيما بعد نجاح "حماس" في التسلل مرتين إلى داخل أراضي إسرائيل عبر الأنفاق، وبعد خسائر الجيش في هذه الحوادث وفي المعارك القاسية التي خاضها لواء غولاني في حي الشجاعية.

•في الميزان الإسرائيلي لا تستطيع الحكومة أيضاً تجاهل الخسائر المتمثلة في وقف شركات الطيران الأميركية والأوروبية رحلاتها إلى إسرائيل بسبب سقوط صاروخ في يهود، واستمرار القصف منذ 15 يوماً على وسط البلد وجنوبه.

•كما تعاني "حماس" من عدد من المصاعب المتمثلة في الدمار الكبير، ولا سيما في شمال القطاع، وعدد القتلى الذي تخطى 600 قتيل. صحيح أن حي الشجاعية تحول إلى أسطورة مقاومة وبطولة، لكن آثار الدمار في الحي تفرض على "حماس" أن تقدم تبريراً عنه لأعضائها.

•يقول سكان القطاع إن عيد الفطر سيكون جهنماً، وسوف تواجه "حماس" عدداً من التساؤلات. وفي الواقع، فإن الضغط يعمل في اتجاهين: اتجاه وقف مواصلة سفك الدماء، لكن هناك أيضاً الخوف من أن وقف القتال حالياً من دون إنجاز (بالنسبة للحركة الإنجاز يكمن في الجوانب الاقتصادية لاتفاق وقف النار)، سيثير غضباً شعبياً في القطاع. ففي غزة لم تجر انتخابات منذ سنة 2006، وزعامة "حماس" تصغي للسكان الذين هم تحت سيطرتها.

•من دون تسوية سريعة، فإن القتال مرشح لأن يستمر، ويتعين على إسرائيل أن تختار بين الطريقة التي تستخدمها الآن (تمشيط أنفاق وتدفيع "حماس" ثمناً على غرار المواجهة في الشجاعية) أو التوجه نحو خطوات عسكرية أكثر طموحاً. والانطباع السائد أن رئيس الأركان ما يزال يفضل عملية محدودة زمنياً ومن حيث الأهداف. ومما لا شك فيه أن موازين القوى بين الجيش الإسرائيلي و"حماس" تميل بوضوح إلى الجانب الإسرائيلي- من حيث القوات والوسائل والتمرس بالقتال- ويبدو أنه بعد بضعة أيام صعبة، ستتحسن مواجهة الفرق القتالية للتهديدات الجديدة، وعلى رأسها أن "حماس" تخوض معركتها بصورة شبه كاملة من تحت الأرض.

•ويجب أن نقول بوضوح إن الذين يدعون إلى عملية عسكرية واسعة النطاق ويتخيلون احتلال المناطق المدينية في غزة كلها، لا ينظرون بجدية إلى القدرات التي طورتها "حماس". إن القطاع اليوم لا يشبه غزة سنة 1967 ولا حتى مدن الضفة الغربية خلال عملية "الجدار الواقي". فالقطاع اليوم يمثل تحدياً صعباً للغاية يمكن استناداً إلى تقديرات الخبراء التفوق عليه، لكن الثمن المتمثل بالخسائر البشرية لن يكون قليلاً.

•وما دام القتال ممستعراً في غزة، من الصعب الغوص في العمق وبصورة مباشرة في الثغرات التي برزت في أداء المؤسسة الأمنية التي تدير معركة مزدوجة هدفها: الانتصار على "حماس" في المواجهة العسكرية وإقناع الجمهور الإسرائيلي بأننا لم ننتصر فحسب، بل أن جميع القرارات التي اتخذت هي صحيحة. 

•إن العملية البرية ضد الأنفاق لها ما يبررها في ظل الخطر الأمني الداهم. ويستحق الثلاثي نتنياهو- يعلون – غانتس الثناء على التنسيق في العمل والتعاون على صعيد القيادة بعكس ما جرى أيام حرب لبنان الثانية [2006] وعملية "الرصاص المصهور"، كما يستحق الثناء على الحذر في اتخاذ القرارات. لكن من الصعب تجاهل حقيقة مهمة هي أن "حماس" أعدت لإسرائيل مفاجأة حقيقية باستخدامها الأنفاق الهجومية. فقد جرى تحسين مستوى الجهوزية والاستعداد للحركة بصورة بارزة خلال السنوات الخمس ونصف السنة الماضية التي مرت ما بين "الرصاص المصهور" حتى العملية الحالية.

•إن الرجل الذي يقف وراء ذلك هو المطلوب القديم محمد ضيف الذي يتولى قيادة الجناح العسكري منذ اغتيال أحمد الجعبري في نهاية 2012. واستناداً إلى الفلسطينيين، فإن الجعبري لم يعد في الأشهر الأخيرة التي سبقت مقتله يعمل كزعيم إرهابي، بل كان يميل إلى الإقامة الطويلة في مصر بعد أن أخرجته الاستخبارات المصرية من الحصار الغزاوي إلى فنادق القاهرة أثناء المفاوضات على صفقة شاليط. 

•أما ضيف الذي أصيب بشدة في عدد من محاولات الاغتيالات الإسرائيلية، فهو يعمل بصورة مختلفة. فقد وظف جميع جهوده في حفر عشرات الأنفاق التي أعدها لوقت الحاجة. فهل قرأت إسرائيل بصورة جيدة المشهد، واكتشفت في الوقت الملائم العملية الاستراتيجية التي قادها ضيف الذي هو من دفع "حماس" إلى هذه المعركة؟

•صباح يوم الاثنين وعندما كان مقاتلو كتيبة الناحل يمشطون نفقاً في بيت لاهيا شمال القطاع، خرج أكثر من عشرة مخربين من حفرة في حقل آخر بالقرب من كيبوتس نير عام. وخلال الاشتباك معهم قُتل قائد كتيبة من مدرسة الضباط وثلاثة من رجاله. وفي تقدير الجيش أن المجموعة التي تنتمي إلى الوحدات الخاصة في "حماس" قد دخلت النفق قبل ذلك وانتظرت. وعندما أدركت أن النفق قد اكتشف قامت الخلية الموجودة في الطرف الثاني بهجومها داخل أراضي إسرائيل.

•ومن المنتظر أن تكرر "حماس" ذلك في حوادث أخرى. وقبل أن يدمر الجيش الأنفاق سيستخدم ضيف أوراقاً أخرى لديه. من الناحية العسكرية هذا ثمن مرتبط بقتال بهذا الحجم، لكن من الخطأ أن نقلل من نجاح الحركة في رفع المستوى العملاني إلى هذه السويّة. ويجب ألا نستبعد احتمال أن يحاول حزب الله إعداد شبكة أنفاق مشابهة على حدود لبنان برغم صعوبة حفر الأرض.

•على صعيد القتال بحد ذاته، فإن وزير الدفاع ورئيس الأركان معجبان بالروح القتالية التي تظهرها الفرق التي تقاتل في القطاع، وبقدرتها على التأقلم مع ظروف المنطقة وعلى التعلم السريع من أخطاء الأيام الأولى. ووفقاً للمعلومات الآتية من الجبهة، يبدو أن الأخطاء تعود إلى عدم الخبرة في القتال في الأماكن المبنية (المرة الأخيرة التي قام بها الجيش بذلك كان سنة 2009)، وإلى مشكلات تقنية وعدم التدريب على القتال تحت الأرض.

•في فرقة أغوز التي سقط لها قتيلان وأكثر من عشرة جرحى، جرى إدخال مقاتلين إلى المنطقة من دون سترات واقية من أجل التخفيف من الوزن الذي يحملونه وليسمحوا لهم بالتحرك السريع. كما طرحت تساؤلات بشأن تحرك القادة بالقرب من السياج في حادثة نير عام وباري في مركبات غير مصفحة تعرضت لإطلاق نار من جانب المخربين الذين خرجوا من نفقين.

 

•لكن الحادثة الأكثر إثارة للقلق هي تلك التي تعرضت لها ناقلة جند في غولاني حيث قُتل ستة جنود بصاروخ مضاد للدبابات، وهناك جندي مفقود. وتبين في ما بعد أن القادة الكبار في رئاسة الأركان لم يكونوا على علم بقرار إدخال المجنزرة "زلده" (M-113) القديمة والتي من السهل تدميرها إلى القطاع، بعكس السياسة التي اتبعت في العملية السابقة. وبعد الحادثة القاسية، أصدرت قيادة الجنوب أوامر تمنع من استخدام هذه المجنزرات وراء الحدود.