•تصادف اليوم ذكرى مرور ثماني سنوات على حرب لبنان الثانية- التي ادت إلى ثماني سنوات من الهدوء التام على طول الحدود الشمالية مع لبنان- وكان ذلك نتيجة واضحة للردع الذي حققته إسرائيل خلال هذه الحرب حيال إيران وحزب الله. وفي الواقع وعلى الرغم من السلوك الاشكالي للزعامة السياسية والعسكرية في إسرائيل خلال هذه الحرب، فقد توصل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إلى خلاصة مفادها أن من الأفضل له الامتناع عن استفزاز إسرائيل والعمل ضدها على طول الحدود كما فعل خلال السنوات التي سبقت نشوب الحرب، وإدراكه أنه إذا لم يفعل ذلك ستعاود إسرائيل ضرب الحزب ومؤيديه كما فعلت خلال تلك الحرب.
•يرغب العديد من الإسرائيليين بالمقارنة بين الإنجاز في لبنان وما هو مطلوب أو مرغوب به في قطاع غزة، وهم يأملون بإمكان التوصل إلى نموذج لوقف إطلاق النار وتفاهمات صامتة لمدة زمنية طويلة مثل الأعوام الثمانية الأخيرة على الحدود بين إسرائيل وحزب الله.
•لكن يتضح أن غزة ليست لبنان وأن حركة "حماس" ليست حزب الله، ومن هنا صعوبة التوصل إلى وقف اطلاق نار ينهي هذه الجولة من التصعيد الحالي، ويسمح بتطبيق النموذج اللبناني على غزة.
•أولاً؛ حزب الله تنظيم لبناني ينصب اهتمامه الأساسي على لبنان وعلى تعزيز موقعه وسط السكان الشيعة الذين يعيشون في هذه الدولة.
صحيح أن الحزب يوظف جهوداً كبيرة من أجل المحافظة على صورته كحامل للواء مقاومة إسرائيل، وأن أسياده الإيرانيين يضغطون عليه كي يكون الجيش المتقدم لطهران في مواجهة إسرائيل، لكن مصالح الحزب هي في الساحة الداخلية اللبنانية، وحالياً في الصراع الدائر في سورية.
•في المقابل، "حماس" حركة فلسطينية مئة في المئة وجميع مصالحها موجودة في الساحة الفلسطينية ما بين القطاع والضفة، الأمر الذي يتسبب دوماً باحتكاكات ومواجهات بينها وبين إسرائيل كما حدث في حادثة خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم قبل شهر في منطقة الخليل. ولا تستطيع "حماس" أن تفصل نفسها عن إسرائيل وعن صراعها معها مثلما يسمح حزب الله لنفسه من حين إلى آخر. بالاضافة إلى ذلك حتى لو كانت قيادة الحركة تريد التهدئة لفترة معينة، فإن الأحداث على الأرض تفرض نفسها عليها وتعيدها إلى مسار الاشتباك والتصعيد ضد إسرائيل.
•ثانياً؛ "حماس" أكثر ضعفا بكثير من حزب الله، ومكانة الحركة في الساحة الإقليمية والعربية وحتى الفلسطينية ووسط الجمهور الفلسطيني ليست قوية مثلما كانت مكانة حزب الله خلال حرب لبنان الثانية. هذا من دون الحديث عن التوتر داخل الحركة بين الجناح العسكري والجناح السياسي، وبين قيادة الداخل الموجودة في غزة وقيادة الخارج برئاسة خالد مشعل في قطر.
•كما أن الحركة لا تسيطر على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية الأكثر راديكالية التي لديها أجندتها الخاصة. ومما لا شك فيه أن الضعف السياسي لـ"حماس" برغم قدرة مقاتليها على الصمود في غزة، يجعل من الصعب على قادة الحركة اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة، الأمر الذي لم يتردد حسن نصر الله في القيام به سنة 2006.
•في النهاية، ليس لدى "حماس" الكثير لتخسره مثلما كان لحزب الله، فغزة بطبيعة الحال مدمرة، والواقع الذي سينشأ بعد وقف النار لن يكون وردياً ولا مغرياً بالنسبة لقادة "حماس" لأنه سيكون العودة إلى كماشة الحصار الإسرائيلي- المصري. ويمكن أن نضيف إلى ذلك حقيقة أن إسرائيل امتنعت لأسباب مفهومة عن ضرب البنية التحتية المدنية في القطاع، كما ألمحت- بصورة غير مباشرة- لـ"حماس" أنها لا ترغب في تقويض سلطتها على غزة خوفاً من البديل- الفوضى وسيطرة جهات راديكالية على القطاع. ومن المفارقات أن إسرائيل تزود بالكهرباء الورش التي يصنع فيها أعضاء "حماس" الصواريخ، كما تسمح بدخول المواد الغذائية إلى غزة التي يستفيد منها مطلقو النار على إسرائيل.
لهذه الأسباب كلها من الصعب تطبيق نجاح الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله على "حماس".
•صحيح أن الحركة تسير على خطى حزب الله، وتقلد تكتيكاته القتالية وتحصل منه على السلاح والصواريخ، لكن ثمة شك كبير في أنها ترغب أو تقدر على المضي نحو تسوية تؤمن الهدوء طوال سنوات على حدود القطاع.