يجب عدم وقف المعركة قبل تحقيق الحسم العسكري الحقيقي
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

 

•من دون عملية سياسية إلى جانب العملية البرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، فإن المعركة ضد "حماس" لن تنتهي في وقت قريب. وحتى لو جرى التوصل إلى وقف النار خلال الأيام المقبلة فإنه سيكون تعبيراً عن غياب حسم عسكري حقيقي، ومجرد وقف موقت للقتال قبل المواجهة المقبلة.

•من الواضح أن لإسرائيل قوة عسكرية وقدرة على الصمود أكبر بكثير مما لدى "حماس". كما أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية مستعدة لدفع الثمن من أجل إيجاد حل طويل الأمد لمشكلة الصواريخ، والقبة الحديدية تقوم بعمل ممتاز وهي تساهم في صمود الجمهور، وعملية تدمير الأنفاق الهجومية ضرورية جداً، وحتى الآن يتصرف الطاقم السياسي والأمني بالحذر الذي يتطلبه القتال على جبهة معقدة.

•لكن المشكلة الحقيقية هي أنه ليس لـ"حماس" ما تخسره بسبب وضعها السيء. فهي في ورطة خطيرة مع مصر، وليس لديها حليف حقيقي باستثناء قطر وتركيا اللتين تحاولان عبثاً أن تلعبا دوراً ما، ووضعها الاقتصادي كما وضع قطاع غزة سيء للغاية، فهي لا تقدرعلى دفع رواتب أعضائها والموظفين في القطاع العام. وأصبح الشعور بالحصار والعزلة أعمق من أي وقت مضى. والأخطر من هذا كله أن عملية المصالحة التي تعتبرها "حماس" خطوة استراتيجية تهدف إلى تحسين وضعها والحصول على الشرعية قد فشلت حتى الآن.

•خلال العام الأخير وجدت "حماس" نفسها في وضع ميؤوس منه، وهي مستعدة لأن تدفع ثمناً باهظاً - بصورة خاصة من حياة أبناء شعبها - من أجل خلط الأوراق الاستراتيجية من جديد. وهكذا وجدت إسرائيل نفسها منجرّة إلى داخل أزمة خططت لها الحركة جيداً خلال السنوات الأخيرة من الناحية العسكرية، واستغلت بصورة وحشية ضعف القطاع، من أجل خرق الحصار والعزلة السياسية- وتحقيق إنجازات مهمة في الساحة الداخلية – الفلسطينية. 

•لكن "حماس" واجهت عدداً من المشكلات: الرد الإسرائيلي العنيف جداً، والقبة الحديدية التي  تمنعها حتى الآن من تحقيق إنجاز حقيقي على الرغم من كثافة القصف وحجم المدى الذي يستطيع أن يبلغه. وهكذا تجد "حماس" نفسها في وضع لا تستطيع فيه أن تحدث تغييراً حقيقياً لميزان القوى، ولم يبق لديها غير الاعتماد على استمرار قدرتها على إطلاق  الصواريخ من المنظومة الصاروخية تحت الأرض، والسعي وراء تحقيق إنجاز استراتيجي مثل التسلل إلى مستوطنة مدنية وارتكاب مجزرة، ومهاجمة قواتنا بعنف، وخطف جنود أو مدنيين، وصولاً إلى قصف صاروخي يتسبب بوقوع عدد كبير من الإصابات في إسرائيل. وفي تقديري أن "حماس" لن توافق على إبداء مرونة إلاّ حين تدرك أن سلطتها على قطاع غزة أصبحت عرضة لخطر وجودي حقيقي.

•لدى حكومة إسرائيل خيار مواصلة العملية البرية وتوسيعها نحو المناطق المأهولة حيث يختبىء قادة "حماس" ومنصات إطلاق الصواريخ. وفي إمكان ضغط عسكري كهذا أن يقلص بصورة كبيرة وحتى أن يوقف تماماً إطلاق الصواريخ (وهذا مرتبط بحجم المنطقة المأهولة التي ستصبح تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي) وأن يتيح بضعة خيارات يمكنها أن تنهي الأزمة من وجهة نظر إسرائيل، وهذه الخيارات تتراوح ما بين الاحتلال الكامل وتطهير القطاع، أو وقف العملية عندما تبدأ "حماس" بالشعور بالضغط وتوافق على قبول الشروط المعروضة عليها.

•ويمكن القيام بتوسيع العملية على مرحلتين: مرحلة السيطرة الأولية على المناطق، وهذه يمكن أن تستمر بضعة أسابيع، ومرحلة تطهير المنطقة التي جرت السيطرة عليها من الأنفاق والصواريخ ومعامل التخريب ومصانع إنتاج  السلاح الصاروخي، وهذه يمكن أن تستمر بضعة أشهر وربما سنة، بحسب حجم المنطقة.

•نستطيع أن نفهم سبب عدم حماسة الحكومة لتوسيع العملية في اتجاه المناطق الكثيفة سكانياً في القطاع، لأن هذا  يشكل تحدياً عسكرياً وانسانياً وسياسياً من الدرجة الأولى، وسيكون ثمنه  البشري مؤلماً جداً. لكن على الرغم من ذلك، ففي اعتقادي أن في الإمكان تحقيق إنجازات حقيقية في عملية كهذه، لأنه على الرغم من وجود جيوب مقاومة شرسة في جزء من الأماكن فإن قدرة صمود الجناح العسكري لـ"حماس" في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي أدنى مما يعتقد. والمشكلة أنه من دون القيام بمثل هذه العملية سينشأ نوع من الستاتيكو سيؤدي إلى إراقة متبادلة للدماء من دون القدرة على الحسم.

•وكلما مرّ الوقت فإن الجمهور سيحكم على إنجازات الحكومة ليس بناء على عدد المنازل المدمرة لنشطاء "حماس" والجهاد الإسلامي، وليس بناء على عدد الأنفاق التي دُمرت وعدد منصات إطلاق الصواريخ التي قصفت، ولا بناء على عدد المصابين بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 

•فما يريده الجمهور في إسرائيل قبل كل شيء هو وقف لإطلاق النار ثابت ولفترة طويلة، إلى جانب حل استراتيجي للخطر الصاروخي والأنفاق الهجومية والإرهاب الخطير من قطاع غزة. 

•يتعين على إسرائيل تحقيق إنجاز مهم جداً قبل أن تبدأ التعقيدات مثل تحرك جبهات جديدة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وتظاهرات الاحتجاج وسط العرب في إسرائيل، او اشتعال الجبهة الشمالية. وما لا يقل خطورة عن ذلك أن فترة السماح الدولية النسبية التي تحظى لها دولة إسرائيل حتى الآن يمكن أن تزول بسرعة.

•في ظل هذا الوضع الناشىء هناك بضعة خيارات صعبة من الناحية العسكرية: إخراج القوات البرية من القطاع سيتعبر بمثابة إنجاز لـ"حماس" ولن يقرب نهاية الأزمة؛ إبقاء قوات في مناطق غير مأهولة  سيجعلها عرضة للهجوم ولن يؤثر على الوضع؛ في حين أن مواصلة العملية وتوسيعها نحو معاقل "حماس" في المناطق المأهولة - سينشىء ضغطاً كبيراً على "حماس" لكنه سينطوي على إصابات كثيرة.

•في رأيي من بين الخيارات المطروحة يجب أن نختار خيار توسيع العملية البرية لأنه من غير المسموح أن تنتهي هذه العملية بستاتيكو. ومن أجل إيجاد ضغط فعّال على "حماس" على امتداد الجبهة كلها يجب توسيع العملية والتوغل جنوباً، إلى قطاع خان يونس ورفح. فهذه منطقة يمكن عزلها عسكرياً بصورة جيدة وفصلها عن شمال القطاع، ويمكن السيطرة على خان يونس ورفح وتطهيرهما من البنية التحتية للإرهاب. وسيكون لذلك انعكاسات على معنويات "حماس" في شمال القطاع. في الوقت عينه يجب زيادة الضغط من البر والجو على شمال القطاع، من دون التوغل في هذه المرحلة أو الدخول إلى المناطق الكثيفة سكانياً.

•في ظل الوضع الحالي فإن الاستراتيجية المطلوبة يجب أن تعمل على خطين: في الجانب العسكري يجب مواصلة زيادة الضغط، وفي المقابل يجب القيام بتحرك سياسي واسع النطاق. وفي الواقع كلما كان الضغط العسكري على "حماس" فعالاً كلما ازدادت القدرة على تحقيق حل سياسي. وعلى الأرجح  فإن العملية السياسية المقترحة ستكون معقدة جداً ونجاحها غير مضمون، لكن ستكون لها فوائد فعلية حتى في حال فشلها.

•ويجب أن تستند المبادرة السياسية إلى ثلاثة عناصر مهمة. العنصر الأول والإجباري هو مصر؛ أما العنصر الثاني والمرغوب فيه جداً فهو السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والعنصر الثالث المهم هو الجامعة العربية والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة. كما يجب أن تقوم المبادرة على صفقة مفادها "عمق نزع السلاح يوازي عمق البادرات الطيّبة والحوافز للقطاع" ويجب أن تتضمن العناصر التالية:

•العنصر الأمني: 1- وقف إطلاق نار لفترة طويلة. 2- الوقف المتبادل لكل أنواع الهجمات(بما فيها الاغتيالات الموضعية). 3- نزع تدريجي لكل أنواع السلاح الصاروخي من غزة. 4- وقف إنتاج السلاح الصاروخي ووقف تهريبه.5- إغلاق الأنفاق الهجومية وأنفاق التهريب. 6- رقابة دولية على كل ما سبق.

•العنصر المدني: 1- رفع الحصار الاقتصادي البري والبحري عن قطاع غزة بصورة كاملة (بما في ذلك فتح جميع المعابر واستخدام ميناء غزة، مما سيسمح تحت الرقابة الدولية بدخول البضائع والوقود وسائر حاجات الفلسطينيين).  2- توسيع نطاق الصيد حتى مسافة 12 ميلاً عن الشاطىء. 3- منح حرية التنقل لسكان غزة في مناطق الحدود من دون مناطق فاصلة. 4- وضع خطة دولية لترميم قطاع غزة، تنسق وتوضع موضع التنفيذ مع حكومة الوحدة الفلسطينية (بعد قبولها بشروط اللجنة الرباعية الدولية) بقيادة أبو مازن.

•إن هذه العناصر يجب أن تشكل أساساَ للمبادرة السياسية لدولة إسرائيل ويجب أن تطرح على الجامعة العربية أو على عدد من الدول العربية بدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. 

•واستناداً إلى هذه المبادرة ومع مراعاة تجريد القطاع من القدرات العسكرية، ستسمح إسرائيل ومصر بالتخفيف من الحصار وستقدم تسهيلات تتعلق بحياة السكان الفلسطينيين، كما سيجري إطلاق خطة إعادة إعمار كبيرة للقطاع.

•إذا رفضت "حماس" الخطة رفضاً قاطعاً وواصلت المواجهة العسكرية، سيتعين على دولة إسرائيل أن تظهر إصرارها على المضي حتى النهاية أي الاحتلال الكامل للقطاع وإسقاط حكم "حماس". ومثل هذا السيناريو لن يكون فيه منتصرون حقيقيون، وسيؤدي إلى سقوط ضحايا كثيرة من الطرفين، وفي نهايته سينهار حكم "حماس" وستضطر إسرائيل إلى البقاء في غزة لسنة أو سنتين من أجل تطهيرها من العناصر الاهاربية ومن البنى التحتية الكثيرة له.

 

•إذا احتجنا لذلك يجب أن نفكر منذ الآن بسيناريوات سياسية لإنهاء العملية. لذا يتعين على إسرائيل أن تحدد حدودها وأن تقدم خطة سلام حقيقية تراعي المصلحة الأساسية ألا وهي الحصول على حدود معترف بها ودائمة للمحافظة على إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية. ومثلما تستخدم إسرائيل اليد الفولاذية لمواجهة الإرهاب، فإن عليها أن تمد اليد الأُخرى نحو الحل السياسي. 

 

 

المزيد ضمن العدد 1939