· لا شك في أن قيام وزير المال الإسرائيلي يائير لبيد [رئيس "يوجد مستقبل"] أول من أمس (الأحد) بإعلان خطته السياسية لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين جاء بتأخير طفيف، لكن من الأفضل دائماً أن تفعل الشيء متأخراً على ألا تفعله مطلقاً.
· لقد وقف لبيد على منصة "مؤتمر هيرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي" وألقى خطاباً سياسياً حاداً ودقيقاً. وكانت فيه عدة عناوين رئيسية أيضاً منها: على إسرائيل أن ترسم حدودها المستقبلية بقواها الذاتية، وأن تكف عن الاستثمار والبناء في المستوطنات المنعزلة وراء جدار الفصل، وأن تتوقف عن مناكفة الولايات المتحدة الأميركية وأن ترمّم هذا التحالف الاستراتيجي والحيوي، وأن تعالج مشكلاتها الداخلية، وأن توقف الحديث عن ضم المناطق [المحتلة] وتحدي العالم كله من خلال استمرار أعمال البناء المكثفة فوق كل تلة في المناطق وتحتها.
· ما زلنا نذكر أن لبيد سأل خلال حملته الانتخابية "أين المال؟"، وها هو يتوصل الآن إلى الجواب: "إن المال مدفون بين ايتمار ويتسهار" [أي يتم إهداره في المستوطنات]، كما قال في خطابه. وهذا المال كان يفترض أن يُستثمر في أجهزة التربية والتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي داخل "الخط الأخضر".
· ومع أن إسرائيل منشغلة الآن بانتخاب الرئيس المقبل للدولة، إلا إن هذا الخطاب ليائير لبيد الذي يمثل حزباً لديه 19 مقعداً في الكنيست ومن دونه لا وجود للائتلاف الحكومي، أهم بكثير من تلك الانتخابات.
· ويبدو لي أن ثمة استنتاجات أخرى بين سطور الخطاب، في مقدمها إدراك أن التحالف مع نفتالي بينت [رئيس "البيت اليهودي"] استنفد نفسه وبات ضرره يفوق منفعته بكثير، واستيعاب أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، وأنه لا يمكن الاستمرار في دفن الرأس في الرمل وإهمال الموضوع السياسي.
· كما ينطوي خطاب لبيد على تلميح واضح بأنه إذا لم يكن هناك شريك [فلسطيني] للتسوية يمكن الحديث معه، فتجدر محاولة القيام بمبادرة ذاتية. وباستثناء إسرائيل والفلسطينيين، يوجد عالم كامل في الخارج على استعداد لأن يقبل إسرائيل وشرعيتها إذا ما تصرفت وفقاً للقواعد المرعية.
· ليس من المبالغة القول إن لبيد صب ماء بارداً على أفكار الضم التي يطرحها بينت، وأوضح لنتنياهو ما هي خطوطه الحمراء. صحيح أن من المبكر نعي الحكومة الإسرائيلية الحالية، لكن في حال سقوطها على خلفية الطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سنتذكر أن خطاب لبيد هذا كان بمثابة أول إشارة إلى احتمال هكذا سقوط.