· انهارت جولة المفاوضات السياسية الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين. ويمكن القول إن الولايات المتحدة أسقطتها في الوقت الحالي عن جدول أعمالها، وهي تخاطبنا قائلة: "إذا قررتم أنتم الإسرائيليون أن تشنقوا أنفسكم فهذا من حقكم، لكن لا تأتوا إلينا لاحقاً بأي ادعاءات، ولا تتباكوا وتقولوا إن عملية نزع الشرعية [عن إسرائيل] التي اكتسبت الآن زخماً آخر هي بسبب اللاسامية."
· وهكذا أصبحنا نحن الذين طلبنا من [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس الاعتراف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي، في الطريق نحو وضع افتراضي لن تكون فيه إسرائيل بعد الآن دولة يهودية. فضمّ المناطق [المحتلة] بحكم الأمر الواقع، ووتيرة الولادة في هذه المناطق، يشيران إلى ذلك بوضوح. وفي قاموس ابن شوشان [عبري - عبري] ورد تعريف الحماقة على الوجه التالي: "تنفيذ عمل أو اتخاذ قرار يؤدي إلى وضع معاكس لما هو مرغوب فيه."
· لم نُرد تقسيم القدس، وها هي تنقسم من تلقاء نفسها. ومنذ الآن يمكن لمندوب سياسي فلسطيني أن يُنتخب لرئاسة البلدية. هل هذه حماقة؟ نعم وفقاً لتعريفها المذكور.
· إننا نكره الفاشية، واليهودية مناهضة للفاشية من الناحية الجينية. لكن عندما يغدو نظام الأبارتهايد البديل الوحيد من عدم ضياع إسرائيل كدولة يهودية فلا مشكلة لدينا معه. وهذه أيضاً هي الحماقة بعينها.
· إننا لا نسير في مسار الحماقة فحسب، بل ليس ثمة أيضاً مَن يحذّر أو يعرب عن الغضب إزاء ذلك. بكلمات أُخرى، إننا نسير نحو العدم مثل لسبب واحد فقط: إذا تجرّأ أحد ما على التفوّه بكلمة نقد عن هذه الحماقة المستمرة، فإنه سيُصنّف على الفور "يسارياً" حقيراً، وجماعات "جباية الثمن" ستحاسبه.
· معنى هذا كله أننا وصلنا إلى وضع فظيع. فالسياسيون الذين يمثلون الجانب السويّ يخافون أن يُمسَك بهم متلبسين بتهمة اليسارية، والجانب اليميني يهدد علناً أي "مظهر يساري"، والجميع يلتزم الصمت.
· ما يبدو في الوقت الحالي هو أن دولة إسرائيل سُرقت من طرف مخلوقات كل همّها منحصر في السلطة وليس لديها أي هم آخر، أمّا نحن الشعب فنفتح أفواهنا مذهولين ويتملكنا إحساس مطلق بعدم التصديق، ونعرب أيضاً عن عدم ثقتنا بها، لكننا نواصل المضي قدماً في طريق العدم.
· إننا نفعل ذلك بحق أنفسنا بسبب وجود منظومة سياسية جوفاء أتاحت لهؤلاء إمكان القبض على زمام السلطة في الدولة. كما أن هؤلاء أنفسهم أصبحوا يتحكمون في وسائل الإعلام والرأي العام.
إجمالاً يمكن القول إننا صامتون وخانعون لترهات أصناف متعددة من الساسة السخفاء وعدد آخر من عباقرة الاستراتيجيا، إلى درجة يخيّل لي فيها أحياناً أننا نعيش داخل نكتة مستمرة. لكن ما يحدث ليس نكتة بالتأكيد، وإنما سير نحو العدم.