· منذ نهاية العقد الفائت يتعقب الأميركيون من الجو الحاويات التي يتم شحنها عبر البحر داخل السفن المتجهة نحو موانئ الولايات المتحدة، ويحاولون بواسطة مروحيات ووسائل طيران متعددة التقاط أي إشعاعات نووية تصدر من هذه الحاويات.
· إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن أكبر كابوس يقضّ مضاجع وزارة حماية الوطن الأميركية والأجهزة الاستخباراتية التي تعمل في خدمتها هو دخول حاوية تُخبّأ فيها قنبلة نووية صغيرة إلى أحد الموانئ الأميركية، ذلك بأن قنبلة كهذه من شأنها أن تدمر الميناء من الناحية المادية، وأن تقضي على الحياة البشرية في المدينة الساحلية.
· وحين تتكلم الاستخبارات الأميركية لا الإسرائيلية فقط عن التهديدات النووية الإيرانية، فإنها لا تقصد بالضرورة صواريخ بالستية عابرة للقارات تحمل رؤوساً نووية. إن السيناريو القابل لأن يتحقق هو إرهاب نووي يداهمها من دون أي بصمة لدولة ما، على غرار حاوية داخل سفينة تنطلق من الصين وتبحر بصورة عادية تماماً نحو ميناء ديترويت، أو ميناء حيفا، ولا يكون لدى القبطان وشركة الملاحة أي علم بأن "حقيبة متفجرات نووية" خُبئت فيها، فتصل إلى الميناء ويتم استعمال القنبلة. وبطبيعة الحال فإن إيران - بصفتها دولة تدعم "الإرهاب"- ستكون مشتبهاً فيها دائماً، ولا سيما حين يصبح لديها قدرة نووية عسكرية، لكن تظل هناك حاجة إلى إثبات مسؤوليتها عن الاعتداء.
· في أواسط كانون الأول / ديسمبر 2011، قال وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت ليئون بانيتا لشبكة التلفزة الأميركية "سي. بي. إس." إن إيران ستكون قادرة على إنتاج قنبلة نووية في غضون عام واحد، وربما في غضون أقل من عام. وبموازاة ذلك قال رئيس هيئة الأركان العامة المشتركة للجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي كلاماً شبيهاً في سياق مقابلة أجرتها معه شبكة التلفزة الأميركية "سي. إن. إن.". وقد رأى الجميع أن هذه التصريحات تعكس تغيراً في المقاربة الأميركية إزاء البرنامج النووي الإيراني، ذلك بأن العالم حتى ذلك الوقت كان يعيش في ظل إعلان أجهزة الاستخبارات الأميركية في سنة 2007 توقّف البرنامج النووي الإيراني العسكري.
· ونسب محللون هذا التغير إلى ما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في حزيران/ يونيو 2011، والذي كشف النقاب عن معلومات بشأن البرنامج النووي الإيراني العسكري. لكن تبيّن لاحقاً أنه كان في حيازة الاستخبارات الأميركية آنذاك معلومات مستقلة تتعلق بتطورات مقلقة في هذا البرنامج.
· وقد جاءت هذه المعلومات من مصادر سرية جداً، وكانت خطرة للغاية بحيث امتنع الأميركيون من إشراك إسرائيل فيها على الرغم من الاتفاقيات التي تنص على تبادل المعلومات بين الجانبين في هذا الشأن. وقد فوجئت إسرائيل وشعرت بالغضب. وفقط بعد ممارسة ضغوط نقل الأميركيون إلى إسرائيل تقريراً موجزاً، وزعموا أنه حتى الرئيس الأميركي تلقّى التقرير قبل أن يُنقل إلى إسرائيل بأربعة أيام فقط.
· إن هذه الوقائع تثبت أن الاستخبارات الأميركية لا الاستخبارات الإسرائيلية هي التي تقول على نحو جازم إن الإيرانيين قريبون جداً من امتلاك قدرة نووية عسكرية. وفقط في كانون الثاني/ يناير 2014 عرضت الاستخبارات الأميركية على اللجنة الاستخباراتية التابعة لمجلس الشيوخ تقديرات تُظهر أن إيران تمتلك قدرات علمية وتقنية وصناعية لإنتاج سلاح نووي.
· وأُرفق التقرير بشهادة لرئيس الاستخبارات القومية أكد فيها أن في وسع إيران صنع صواريخ ذات قدرة على حمل سلاح نووي في أي وقت ترغب فيه بذلك. وقُدمت هذه الشهادة في أثناء المفاوضات التي كانت تجريها مجموعة الدول 5+1 مع إيران، وفي وقت كانت الإدارة الأميركية فيه تبحث عن أي طريقة للتوصل إلى تسوية مع الإيرانيين. وعلى ما يبدو، فإن الأميركيين يئسوا من إمكان النجاح في كبح البرنامج النووي الإيراني العسكري بصورة مطلقة، وهم يبحثون عن نظام يضمن رقابة صارمة لأعوام طويلة كي لا تفاجئ إيران العالم على حين غرة بتفجير نووي خفيّ.
· بناء على ذلك، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ودول أوروبا لا يمكنها أن تنام بهدوء، على الرغم من وجود توقّعات بألاّ تتمكن إيران من امتلاك صواريخ بالستية حاملة لرؤوس نووية في غضون الأعوام العشرة المقبلة.
· إن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: هل يسير الإيرانيون فعلاً في اتجاه امتلاك صواريخ بالستية كهذه؟ ومَن يمكنه أن يقول بيقين إن هذه الصواريخ هي الخطر الحقيقي الذي يتهددنا من جانب إيران في غضون الأعوام القليلة المقبلة؟