· يبدو أن إمكان الانقضاض على غزة الآن أصبح متأخراً. فقد استكملت "حماس" ذراعها الاستراتيجية الطويلة المدى، وأقامت منظومات دفاعية، وعززت منظومة الأنفاق، واجتازت الخطوط الحمر كلها، التي كان يتعين منع الفلسطينيين في القطاع من اجتيازها. عدا ذلك، فإننا على أعتاب انتخابات عامة، والأوضاع السياسية حساسة للغاية، وهناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة، وفصـل الشتاء على الأبواب. لقد فاتنا القطار، ويجب أن ننتظر تأليف حكومة جديدة على أمل أن تعرف اتخاذ القرارات الملائمة. وحتى ذلك الحين ستكون السياسة الإسرائيلية المتبعة إزاء قطاع غزة بمثابة إطفاء حرائق لا أكثر.
· إن أكثر ما يثير الغضب في هذا الموضوع هو واقع أن الفلسطينيين يدركون أيضاً أن إسرائيل لن تجتاح القطاع في غضون الفترة القليلة المقبلة، وأنه لا يوجد أي احتمال لأن تجبي منهم ثمناً باهظاً بسبب استمرار إطلاق الصواريخ على المستوطنات المحاذية لغزة. لقد فرضت "حماس"، على أعتاب المرحلة التي ستعقب التهدئة، قواعد جديدة للّعبة إزاء إسرائيل التي وجدت نفسها تنجر إليها بدلاً من أن تهدمها.
· على الرغم من ذلك كله يتعين علينا أن نقر أن ثمة فوائد للتهدئة، وخصوصاً في الحلبة السياسية. فلولا التهدئة لكانت السلطة الفلسطينية انهارت، ولما كان هناك مفاوضات [إسرائيلية - فلسطينية]. وفي الوقت الحالي تحسنت مكانة السلطة الفلسطينية والأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية. كما أن المصالحة الوطنية الفلسطينية انهارت في ظل التهدئة، وفي حال عدم اعتراف "حماس" بشرعية [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس، بعد 9 كانون الأول/ يناير 2009، فسينشأ وضع تكون فيه دولتان لشعب واحد (في الضفة وغزة)، ومن قال إن هذا سيىء لإسرائيل؟ كذلك شكلت التهدئة فرصة لتعزيز التنسيق بين إسرائيل ومصر. وبفضل التهدئة لم تعد ممارسات إسرائيل [ضد الفلسطينيين] تتصدر نشرات الأخبار في قنوات التلفزة في أوروبا والولايات المتحدة.
· ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وفي مقدمها وزير الدفاع [إيهود باراك] ورئيس هيئة الأركان العامة [اللواء غابي أشكنازي]، أن فوائد التهدئة أكثر من نواقصها. لكن في مقابل هذه الفوائد فإن سيطرة "حماس" على قطاع غزة تعززت، كما أن قدراتها العسكرية تعاظمت.