روسيا: نظرة جديدة إلى عملية السلام
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

 

  • في الفترة الأخيرة عادت روسيا إلى الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط، اقتناعاً منها بأن الآن هو الوقت المناسب لتقديم مقترحات جديدة، وذلك لعدة أسباب منها أن روسيا وجدت نفسها على هامش العملية، ولكنها استرجعت ثقتها بنفسها، بعد أن شعرت بضعف مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وأن العملية السلمية التي تقودها قد وصلت إلى حائط مسدود.
  • وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تولي موضوع العملية السلمية في الشرق الأوسط أهمية كبيرة، وتعتبره الموضوع الأساسي في المنطقة. وفي رأيها أن الموضوع الفلسطيني قد تحول إلى أحد أسباب عدم الاستقرار الدولي، بالإضافة إلى تأثيره الكبير في الاتجاهات الراديكالية في العالم الإسلامي. وتتخوف روسيا من ابتعاد العالم العربي عن العملية السياسية، وتراجع السلطة الفلسطينية أمام حركة "حماس". وهي تعتبر أن نجاح عملية السلام هو الطريق الرئيسي لكبح هذا التوجه المقلق، ولوقف الإرهاب الإسلامي عامة.
  • ويرى الروس أن العملية السياسية قد وصلت إلى حائط مسدود، وأن مَن يتحمل المسؤولية عن ذلك هي إسرائيل والولايات المتحدة، كما يرون أن إسرائيل اختارت حالياً ممارسة سياسة "الحفاظ على الوضع القائم" لاعتبارات سياسية داخلية. أما الولايات المتحدة فقد فشلت في تحقيق سياستها، وبدأ أوباما يخسر مكانته السياسية، وقد أدت السياسة التي انتهجها إلى التصلب في الموقف الإسرائيلي، وها هو اليوم يعود تدريجياً إلى سياسة الرؤساء الذين سبقوه.
  • في رأي الروس، أن أصل البلاء يعود إلى احتكار الولايات المتحدة العملية السياسية، واستبعاد روسيا عن شؤون الشرق الأوسط. وترفض روسيا هذا الموقف الأميركي الأحادي، وتطالب بتغييره. ولكنها على الرغم من ذلك، فإنها لا تنوي استبعاد الولايات المتحدة عن الاهتمام بالعملية السلمية، وإنما تريد لنفسها دوراً موازياً في هذه العملية.
  • ويشير الروس هنا إلى عدد من النقاط التي يتفوقون فيها على الولايات المتحدة، مثل نجاح روسيا في أن تبني لنفسها موقعاً متوازناً ومقبولاً من كل الأطراف في المنطقة (بما في ذلك إسرائيل التي يعتبر الروس أن العلاقة معها ممتازة)، ناهيك عن تحولها في المدة الأخيرة إلى قوة عظمى لها تأثيرها في العلاقات الدولية عامة وفي العالم الإسلامي خاصة. ولكن على الرغم من ذلك تعترف روسيا بأنها غير قادرة على الضغط على إسرائيل، وأنه حتى الولايات المتحدة بدأت تفقد هذه القدرة.
  • ومن أجل الخروج من الطريق المسدود، يقترح الروس إحياء فكرة المفاوضات المتعددة الأطراف، بدلاً من المسار الثنائي الراهن، الذي صار عديم الفائدة. وهنا يأتي دور اللجنة الرباعية". ففي رأيهم يجب إعادة تفعيل هذه اللجنة، وتطويرها وتحويلها إلى هيئة دولية ذات تأثير وصلاحيات (وليس هيئة وساطة فقط، كما هو حالها اليوم). ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يجب توسيع اللجنة، وإشراك أطرف مهمة جديدة مثل الصين والهند (وثمة اقتراح بإدخال دول من الشرق الأوسط). كما اقترح الروس ضرورة استبدال الموفد الحالي للجنة الرباعية (طوني بلير)، بموفد روسي، لأن روسيا هي التي تملك حالياً الموقع الملائم في المنطقة.
  • أما فيما يتعلق بكيفية إدارة العملية السلمية بحد ذاتها، فلا تطرح روسيا هنا أفكاراً جديدة، وإنما تعتمد على الأفكار التي كانت موجودة سابقاً بعد أن يصار إلى تحديثها، وتحويلها إلى خطة واضحة، يجري عرضها على الأطراف كافة. ومن بين الاقتراحات المطروحة: "تبادل أراضٍ"، وتسوية في القدس، وتأجيل مشكلة اللاجئين أو تغييرها. كما سيعرض على الأطراف ترتيبات أمنية شاملة، ومقترحات لترتيبات في مجال الاقتصاد والطاقة والبيئة والمياه وغيرها.
  • بالنسبة للأطراف المحليين، تبدي روسيا استعدادها للتوسط بينهم، وترسم الصورة التالية:
  1. بالنسبة للفلسطينيين، ترى روسيا أنهم في ضائقة، وأن الانقسام الداخلي يعود عليهم بالوبال، وأن قوة التيارات الراديكالية إلى ازدياد (وهناك إمكان أن تتفوق "حماس" التي تعارض العملية السلمية على السلطة الفلسطينية مستقبلاً).
  2. أما بالنسبة لسورية التي تتعاون إيجابياً مع روسيا، فهي في رأيهم ليست مستعدة حالياً لفتح قناة التفاوض مع إسرائيل قبل الفلسطينيين، لأن السوريين لا يريدون أن يدخلوا وحدهم في مفاوضات سلام معها.
  3. وترى روسيا أن إسرائيل هي الطرف الأساسي القادر على التأثير في استمرارية العملية السياسية، لذا ينبغي الضغط عليها. ومثل هذا الأمر تقدر عليه الولايات المتحدة فقط. وتعتقد روسيا أن بإمكانها التأثير إيجاباً في الساحة الإسرائيلية بفضل علاقاتها الجيدة مع إسرائيل، وصورتها "كوسيط نزيه"، ولكنها لا تملك وسائل كافية للضغط عليها.
  • أما إيران، فهي في نظر الروس "دولة خطرة"، بسبب مساعيها الرامية إلى إفشال عملية السلام، ولكونها تشكل خطراً على الاستقرار في المنطقة بصورة عامة. وأما تركيا فقد فقدت دورها "كوسيط نزيه" في الشرق الأوسط، بسبب توجهاتها نحو العالم الإسلامي. وبالنسبة للدول العربية المعتدلة مثل مصر والسعودية والأردن، فهي لا تبذل الجهد المطلوب من أجل دفع العملية السلمية، وينبغي زيادة التنسيق بينها وبين إسرائيل.
  • في الخلاصة، نحن نشهد تجدداً للمسعى الروسي من أجل المشاركة في العملية السياسية في الشرق الأوسط والتأثير فيها. ويكمن في أساس هذه الاستراتيجية، التي تشكل جزءاًُ من السياسة الخارجية الروسية الحالية، ضعف الإدارة الأميركية، والطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام.