الانسحاب الأحادي الجانب من جنوب لبنان عزّز قوة حزب الله وأضعف إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      لا شك في أن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان، الذي حدث في أيار/ مايو 2000، يستحق تحليلاً معمقاً حتى بعد مرور عشرة أعوام على تنفيذه، ذلك بأننا ما زلنا منشغلين، وسنبقى منشغلين في المستقبل، بالواقع القائم في لبنان، فضلاً عن العوامل الحقيقية التي أدت إلى ذلك الانسحاب.

·      وما يتعين عليّ قوله، بداية، هو أنني شغلت في تلك الفترة منصب نائب وزير الدفاع، وكنت من أشدّ المعارضين للانسحاب من جانب واحد، لكن أحداً في المؤسسة السياسية الإسرائيلية لم يؤيدني، باستثناء عضو الكنيست عوزي لانداو من اليمين والوزير يوسي سريد من اليسار. أمّا في داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فقد وقف على رأس المعارضين لهذا الانسحاب كل من رئيس هيئة الأركان العامة، شاؤول موفاز، وقائد المنطقة العسكرية الشمالية، غابي أشكنازي.

·      ومنذ طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، في صيف سنة 1982، فإن إيران، وبواسطة منظمة حزب الله التي أقامتها، هي التي أصبحت تحاربنا، وبقوة آخذة في التعاظم من عام إلى آخر. وقد استطاع الجيش الإسرائيلي أن ينجح في هذه المواجهة، وأن يضمن الأمن الكامل لسكان المستوطنات الإسرائيلية الحدودية، لكن هذا النجاح كان له ثمن دموي، إذ بلغ معدل خسارة الجيش الإسرائيلي 25 قتيلاً في السنة.

·      غير أن قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمّل هذا الثمن أخذت في التأكل، ولا سيما على مدار الأعوام الأربعة التي سبقت الانسحاب من جانب واحد. ولا بُد من القول إن الزعامة السياسية الإسرائيلية لم تعد، منذ اغتيال [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق] يتسحاق رابين [في سنة 1995]، تبعث برسائل صمود واضحة إلى الجمهور العريض وإلى الجنود الإسرائيليين لإقناعهم بأن الحرب ضد حزب الله، باعتباره وكيلاً لإيران، هي حرب عادلة، وأنه يجب الاستمرار فيها.

·      في موازاة ذلك، أقيمت حركة "أربع أمهات" [وهي حركة لأمهات جنود في الجيش الإسرائيلي طالبت بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان]، والتي أسفر نشاطها عن جعل الاهتمام بالحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين يتصدر جدول الأعمال العام في إسرائيل بدلاً من الأمن القومي.

·      لم تفهم القيادة الإسرائيلية في ذلك الوقت أن المعركة لم تكن للسيطرة على الأرض، وإنما كانت للتصدي لأول محاولة إيرانية لإلحاق هزيمة بإسرائيل بواسطة حرب العصابات. وقد أكد معارضو الانسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان أنه في حال تنفيذ هذا الانسحاب، فإن حزب الله سيملأ على الفور الفراغ الذي سيتركه الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي، وسيرابط على الحدود الشمالية لإسرائيل، وسيحظى بموقع مريح لشنّ هجمات على إسرائيل.

·      وهذا ما تأكد بعد ستة أعوام، في إبان حرب لبنان الثانية في صيف سنة 2006، فقد بلغ عدد القتلى الإسرائيليين في تلك الحرب ستة أضعاف معدل عدد القتلى السنوي خلال آخر الأعوام التي سبقت الانسحاب من جنوب لبنان.

·      من ناحية أخرى، فإن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان أسفر عن أمرين آخرين: أولاً، التفريط بجيش لبنان الجنوبي، الأمر الذي يُعتبر وصمة عار أخلاقية في جبين إسرائيل؛ ثانياً، بثّ رسالة ضعف إلى جميع المحيطين بنا، وثمة من يقول إن هذه الرسالة هي التي شجعت الفلسطينيين على العودة إلى طريق العنف.

إن قوة حزب الله في لبنان حالياً أصبحت أضعاف القوة التي كان يملكها في صيف سنة 2006، ولا شك في أن إيران ستظل راغبة في تفعيل هذه القوة ضد الجبهة الإسرائيلية الداخلية في المستقبل.