حرب لبنان الثالثة الهدف - لبنان [مقتطفات]
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– عدكان استراتيجي

حرب لبنان الثالثة

الهدف - لبنان ]مقتطفات· [

                                      

بعد مضي عامين على حرب لبنان الثانية، يسود شعور عام بأنه تم استخلاص الاستنتاجات الصحيحة منها، أما الدروس المستفادة، فيسود شعور بأنه يجري، علاوة على دراستها، تطبيقها قولاً وعملاً...

ويبدو، في ظاهر الأمر، أنه لو نشبت حرب لبنان الثالثة الآن، لكانت نتائجها أفضل بالضرورة، غير أن الفرضية التي أود طرحها في هذا المقال هي أنه إذا نشبت حرب أخرى بيننا وبين حزب الله، فمن الجائز ألاّ تكون نتائجها أفضل. وهناك سببان لهذا التقدير: الأول، أن موازيين القوة بيننا وبين حزب الله لم تتغير. صحيح أنه حدث لدينا تحسن كبير، غير أنه حدث أيضاً تحسن كبير في قدرة الطرف الآخر، وفي المحصلة، فإن التحسن الذي حدث لدينا يوازنه التحسن الذي حدث لدى الطرف الآخر.

أما السبب الثاني فهو جوهري أكثر ويستند إلى فرضية مبدئية ترى أن من غير الممكن الانتصار على منظمة حرب عصابات كفوءة ومجهزة جيداً إذا توفرت ثلاثة شروط: (1) إذا كانت المنظمة تعمل انطلاقاً من الدولة أ ضد الدولة ب؛ (2) إذا كانت المنظمة تتمتع برعاية كاملة من جانب الدولة أ؛ (3) إذا كانت الدولة أ، التي تقدم الرعاية للمنظمة، وجيشها وبناها التحتية تتمتع بحصانة مطلقة إزاء العمليات الهجومية للدولة ب. لقد فشلت دولة إسرائيل في حرب لبنان الثانية (وقد تفشل في الحرب الثالثة أيضاً) لأنها حاربت العدو غير الصحيح. لقد حاربنا حزب الله بدلاً من الدولة اللبنانية.

يجب أن يكون الهدف الأول للاستراتيجيا الإسرائيلية فيما يتعلق بلبنان هو إقناع الولايات المتحدة بأننا مضطرون إلى محاربة الدولة التي تمنح الرعاية للمنظمة، وليس فقط محاربة المنظمة التي تتمتع بهذه الرعاية.

إن من شأن تغيير المقاربة الإسرائيلية أن يتسبب بمس شرعية إسرائيل، وبإثارة ضغوط دولية، بل حتى بتوجيه الولايات المتحدة تعليمات واضحة إليها تطلب فيها منها التوقف عن تدمير لبنان. إن هذا الأمر يعيد إلى الأذهان ردة الفعل الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، عند بداية حملة "السور الواقي" في نيسان/ أبريل 2002... لقد تفهمت الولايات المتحدة حملة إسرائيلية ضد حركة "حماس"، لكنه كان من الصعب عليها الموافقة على الحملة كما خططت إسرائيل لها ـ حملة ضد السلطة الفلسطينية.

في البداية، طلب منا الأميركيون الخروج من مدن الضفة (المناطق أ) خلال 48 ساعة. وتعنتت إسرائيل في موقفها، لأنه لم يكن من الجائز التنازل والعودة إلى قواعد اللعبة القديمة التي بموجبها نحارب الإرهابيين فقط ونمتنع من ضرب الذين يقدمون لهم الرعاية (السلطة الفلسطينية). ولاقى التعنت الإسرائيلي نجاحاً. واضطرت إسرائيل إلى تقديم تنازل بشأن أمر واحد فقط، هو وقف الحصار عن المقاطعة التي كان عرفات يقيم بها. وفي المقابل، حظيت السياسة الجديدة (سيطرة إسرائيل على المنطقة الفلسطينية بكاملها) بالتسليم والقبول من جانب الأسرة الدولية.

الشيء نفسه ينطبق على لبنان أيضاً. إن الوضع الذي تقوم إسرائيل فيه بضرب المدن فقط (حزب الله)، وتمتنع من ضرب أحبة الغرب والأمم المتحدة (لبنان والحكومة)، وهو وضع مريح ومرغوب فيه من الآخرين كلهم، لكنه سيُنزل بنا كارثة. ولا خيار أمامنا، إذا لزم الأمر، سوى خوض مواجهة بشأن هذا الموضوع مع أصدقائنا أيضاً.

هناك طريق واحدة لمنع نشوب حرب لبنان الثالثة وللانتصار فيها إذا ما نشبت (وبالتالي لمنع نشوب حرب لبنان الرابعة)، وهي: أن نوضح للدول الصديقة للبنان، وعن طريقها للحكومة اللبنانية والشعب اللبناني، أن الحرب المقبلة ستكون بين إسرائيل ولبنان، لا بين إسرائيل وحزب الله. إن حرباً كهذه ستؤدي إلى تصفية الجيش اللبناني، وتدمير بنى تحتية في البلد، وتعرض السكان لمعاناة شديدة.

إن إلحاق ضربة قوية بلبنان، وتدمير بيوت وبنى تحتية ومعاناة مئات الآلاف من الأشخاص، هي الأمور الوحيدة التي يمكن أن يكون لها التأثير الأكبر في سلوك حزب الله. إن التأثير في حزب الله واستعداده لوقف القتال عقب قيام إسرائيل بخطوات من النوع الذي وُصف أعلاه يمكن أن ينجم عن مؤثرات داخلية و مؤثرات خارجية.

إن المؤثرات الداخلية تنبع من المكانة السياسية لحزب الله، ومن تطلعاته السياسية، كونه يعرض نفسه على أنه منظمة وطنية لبنانية تحارب من أجل المصالح اللبنانية. ومن شأنه أن يخسر مكانته إذا اتهمه الرأي العام في لبنان بالمسؤولية عن التدمير الذي جلبه على البلد، والذي لم يكن له داعٍ. أما المؤثرات الخارجية فتنبع من حساسية المنظمة تجاه المصالح الإيرانية والسورية، فمن المؤكد أن إيران وسورية لا ترغبان في تدمير لبنان.

يجب أن تكون الرسالة الإسرائيلية واضحة وقاطعة: إذا تعين على إسرائيل أن تخوض حرباً مرة أخرى ضد حزب الله فقط، بينما يكون لبنان، الذي يمنحه الرعاية، خارج اللعبة، فلن نستطيع أن نضمن النصر. وبالتالي أمامنا خياران فقط: المجازفة بالخسارة (التعادل أيضاً سيُعتَبر خسارة)، أو محاربة الدولة التي اختارت أن تسمح لحزب الله بالسيطرة عليها. إننا نختار الخيار الثاني. هذه الرسالة يجب أن تقال بوضوح منذ اليوم. وإذا انتظرت إسرائيل حتى اليوم الذي ستبدأ فيه الحرب، فسيكون الأوان متأخراً جداً.

إن طريقة إيصال هذه الرسالة إلى الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا وغيرها من الدول تتطلب حواراً عسكرياً ـ مهنياً على أعلى المستويات بين إسرائيل وتلك الدول. وإذا اقتنع المسؤولون العسكريون في تلك الدول بالشرح المهني، فسيكملون المهمة مع القيادات السياسية في بلادهم.



·  هذه المقالة والمقالة التالية نموذجان من نقاش استراتيجي دار مؤخراً في إسرائيل بشأن السياسة التي يجب اتباعها تجاه لبنان. وقد عبّر قائد المنطقة الشمالية غادي أيزنكوت عن هذه السياسة في مقابلة مع "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 3/10/2008.

  لمزيد من التفاصيل راجع العدد 548، 8/10/2008.