مدى قابلية تطبيق سياسة الرد الجديدة للجيش الإسرائيلي إزاء حزب الله
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

دار مؤخراً، نقاش حي بشأن سياسة الرد الجديدة التي سيتبعها الجيش الإسرائيلي في حالة اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله. [وجرى تناول هذا النهج الجديد في عدد من المقالات التي نشرت في الآونة الأخيرة]. ووصف قائد المنطقة الشمالية اللواء غادي أيزنكوت [في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 3/10/2008] سياسة الرد الجديدة للجيش الإسرائيلي بـ "نهج الضاحية" [.......]

إنها بالفعل سياسة جديدة فيما يتعلق باستخدام القوة ضد حزب الله، مختلفة عن السياسات التي طبقت خلال حرب لبنان الثانية. ويبدو أن أهداف كل من هذه السياسة والدعاية المحيطة بها، هي تضخيم قوة الردع الإسرائيلية، وثني حزب الله عن تصعيد عملياته وعن إشعال النيران مجدداً في الشمال. إن نجاح هذه السياسة يتوقف على تقويم قادة حزب الله لمدى صدقيتها، وعلى تصميم إسرائيل على ممارستها فعلاً.

وفي هذا السياق، من المهم أن ندرس هذه السياسة الجديدة جيداً، وكذلك المخاطر التي تنطوي عليها من وجهة نظر إسرائيل. إن هذه السياسة مصاغة بطريقة لا لبس فيها في كل ما له علاقة بطبيعة رد الجيش الإسرائيلي في حالة قيام حزب الله بعمل استفزازي. ومع ذلك، فإنها تحتوي على بعد كبير من الغموض فيما يتعلق بالأوضاع التي ستطبَّق فيها. إنها، من حيث الجوهر، لا تقدم إجابة واضحة عن الأسئلة الأساسية التالية:

أ ـ هل هي سياسة رد ستطبَّق فقط في حالة نشوب مواجهة حربية شاملة بين إسرائيل وحزب الله، وفي سياق يكون من الواضح أن قواعد اللعبة "المألوفة" بين الجانبين تخضع لتغيير تام، أم أنها ستطبق أيضاً في حالة نشوب مواجهة محدودة؟

ب ـ ما هي كثافة إطلاق النار من جانب حزب الله التي ستؤدي إلى هذا التغيير في سياسة الرد؟  هل سيبرر إطلاق صواريخ بصورة متقطعة [على إسرائيل] تغيير قواعد اللعبة، أم أن السياسة الجديدة لن تطبق إلا في حالة إطلاق صواريخ بصورة مكثفة؟

ج ـ هل المقصود سياسة رد ستطبق فقط في حالة إطلاق صواريخ، أم ستطبق أيضاً في حالة إطلاق نيران مدفعية "عادية"؟

د ـ هل سيطبق التغيير في السياسة فقط إذا أسفرت نيران حزب الله عن خسائر بشرية ضخمة في الجانب الإسرائيلي، أم سيطبق أيضاً في حالة إطلاق نيران بصورة مكثفة على "مناطق مفتوحة" من دون أن تتسبب بعدد كبير من الإصابات؟

هـ ـ هل سيتم التمييز بين إطلاق حزب الله نيراناً على أهداف عسكرية تتسبب بإصابة جنود، وبين إطلاق النار على مستوطنات مدنية؟

و ـ هل ستطبق سياسة الرد فقط في حالة إطلاق النار على أهداف استراتيجية ومراكز حضرية بعيدة عن الحدود اللبنانية، أم سيُتَّبع مبدأ "ما يسري على كريات شمونه ومرغليوت يسري أيضاً على تل أبيب"؟

ز ـ هل ستطبق السياسة الجديدة بعد تحذير أهالي القرى بأن قراهم ستتعرض لتدمير كبير، وبعد السماح لهم بإخلاء المنطقة التي أُطلقت منها النيران، أم أنها ستطبق بصورة تلقائية من دون إعطائهم مهلة للانسحاب؟

ح ـ وأخيراً، كيف ستطبق الخطة إذا ما تبين أن سكان القرى يمتنعون من المغادرة الجماعية؟ وهل سيطلق الجيش الإسرائيلي نيراناً كثيفة ربما تؤدي إلى مقتل المئات أو الآلاف من المدنيين؟

ليس هناك إجابة واضحة عن هذه الأسئلة وغيرها. من الممكن أن يفترض حزب الله أن سياسة الرد الجديدة تنطبق فقط على سيناريوهات شبيهة بسيناريوهات تموز/ يوليو - آب/ أغسطس 2006، أي: مواجهة حربية شاملة بين إسرائيل وحزب الله يقوم الحزب في إطارها بإطلاق الصواريخ بصورة مكثفة على مستوطنات الحدود الشمالية وأيضاً على مدن الشمال، كنهاريا وعكا وحيفا والعفولة والخضيرة.

وحتى في أوضاع قصوى كهذه، من الممكن أن يفترض حزب الله أن إسرائيل ستتردد كثيراً في تنفيذ سياسة تفعيل قوة وحشية إلى هذا الحد ضد حزب الله والقرى التي تطلق منها النار على إسرائيل، بحسب ما توحي به مبادئ السياسة الجديدة. هناك عدة حجج وأمثلة من الماضي قد تدفع حزب الله إلى الاستنتاج أن إسرائيل ستمتنع من تنفيذ سياسة الرد التي تم وصفها أعلاه:

أ ـ على مدى سنوات المواجهة الطويلة بين إسرائيل و "المنظمات الإرهابية"، صدر عن قيادات عليا في إسرائيل تهديدات متكررة فيما يتعلق بسياسة الرد التي ستطبق إذا ومتى جرى القيام بعمل استفزازي ضد إسرائيل ألحق بها أضراراً. لكن إسرائيل، في الممارسة العملية، وفي العديد من الحالات، تجنبت تنفيذ جزء كبير من تلك التهديدات. وهذه هي الطريقة التي تصرفت بها إسرائيل بعد الانسحاب من جنوب لبنان في أيار/ مايو 2000، وكذلك بعد الانسحاب من غزة في آب/ أغسطس 2005. وليس من المستبعد أن تظل التصريحات الملتهبة بمثابة "فتوى لا يتم التقيد بها".

ب ـ إن امتناع إسرائيل من ضرب البنى التحتية في لبنان في بداية حرب لبنان الثانية، على الرغم من أنه كان من الواضح أنها تخوض مواجهة حربية شاملة مع حزب الله، وكذلك ترددها في ضرب إمدادات الوقود والكهرباء والمياه لقطاع غزة حتى في الأيام التي كانت تُطلَق فيها صواريخ القسام بصورة مكثفة على سديروت وعسقلان، يؤشران إلى القيود الداخلية التي تمنعها من استخدام قوة تلحق ضرراً كبيراً بالسكان المدنيين، حتى لو تواجد هؤلاء في "منطقة معادية". إن القصف المكثف للقرى ينطوي على مجازفات شديدة الخطورة، كالقتل الجماعي للمدنيين. وثمة شك في أن تقر حكومة إسرائيلية خطوات كهذه.

ج ـ إن رغبة إسرائيل في تجنب إلحاق ضرر هائل بالسكان المدنيين لا ينبع فقط من مخاوفها من ردة فعل الرأي العام الدولي، لكن أيضاً من قيود إسرائيلية داخلية وضغوط قـادة دولييـن، ولا سـيما الإدارة الأميركيـة. هنـاك دوائـر واسـعة في المجتمـع الإسـرائيلي ـ مجموعات سياسية ومؤسسات قانونية ومفكرون وأكاديميون ـ من المرجح أن تفرض عقبات كبيرة أمام قيام الجيش الإسرائيلي بتطبيق سياسة تنطوي على مخاطر القتل الجماعي لمدنيين لا يشاركون في إطلاق النار على إسرائيل، و"ذنبهم" الوحيد هو أن إطلاق النار يتم من داخل المناطق التي يعيشون فيها.

د ـ تستند سياسة الرد الجديدة هذه، بصورة غير مباشرة، إلى افتراض مؤداه أن إسرائيل تملك القدرة على إلحاق أضرار فادحة بالتجمعات السكانية والبنى التحتية في الجانب الآخر. لكن حزب الله، وبناءً على تقارير متعددة، لديه اليوم منظومة صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب أي نقطة في إسرائيل تقريباً. إن إسرائيل لا تستطيع أن تفترض أنها ستتمكن، مرة أخرى، من تدمير هذه المنظومة فور بداية المعركة، كما فعلت في بداية حرب لبنان الثانية. وبالتالي، يمكن لحزب الله أن ينطلق من افتراض فحواه أنه يمتلك القدرة على فرض "ميزان رعب" شديد الفاعلية في مقابل إسرائيل، كما يمكن له أن يقدّر، وبحق، أن ميزان رعب كهذا سيردع أي حكومة إسرائيلية عن تطبيق سياسة الرد الجديدة.

من شأن هذه التقديرات وغيرها أن تدفع حزب الله إلى الاستنتاج أن إسرائيل ستمتنع في نهاية المطاف من تطبيق سياسة الرد الجديدة، والتي يجري الحديث عنها اليوم بإسهاب. وإذا حدث ذلك، فإنه قد يحاول، في مرحلة ما في المستقبل، اختبار صدقية إسرائيل وتصميمها، وذلك عن طريق عدد من السيناريوهات. وفي هذا السياق، فإن التصريحات التي تُطلق بشأن سياسة الرد الجديدة تنطوي على مجازفة غير قليلة. وإذا لم يكن هناك تصميم قاطع على تطبيقها، وهو أمر يبدو مستبعداً جداً، فقد يؤدي ذلك إلى تأكل قوة الردع الإسرائيلية، بدلاً من تعزيزها.