· إن الجدل العام الذي يدور في إسرائيل عقب عملية السيطرة على قافلة السفن التي كانت متجهة إلى غزة، يتركز على الجانب العملاني فقط، أي ذلك المتعلق بأداء جنود الوحدة البحرية الإسرائيلية. ومع الأهمية التي ينطوي هذا الجدل عليها، إلا إنه يجانب الهدف الجوهري المطلوب، ذلك بأن العملية اعتبرت في العالم أجمع حلقة أخرى في سلسلة عمليات طويلة قامت إسرائيل بها وجعلتها دولة مارقة.
· وبطبيعة الحال، فإن [رئيس الحكومة الإسرائيلية] بنيامين نتنياهو يمكنه الاستمرار في التباكي والادعاء أن العالم متلوّن ومنافق، إلا إن مثل هذا التصرف هو، في واقع الأمر، بمثابة ملاذ أخير للمهووس والخاسر، فضلاً عن أنه لن يخلص إسرائيل من الوضع المعقد الذي تدهورت إليه.
· كيف حدث ذلك؟ ولماذا أصبحت حكومات كثيرة في العالم، تعاملت في السابق بقدر كبير من التفهم مع الحربين في لبنان وغزة، تنظر إلى إسرائيل باعتبارها دولة مارقة؟ ثمة أسباب كثيرة لذلك، ومع أن نتنياهو نفسه لا يملك إمكان السيطرة عليها كلها، إلا إنه لا بُد من القول إن الأخطاء التي ارتكبها ساهمت بصورة كبيرة في ذلك.
· إن أول خطأ ارتكبه نتنياهو هو تعيين [رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"] أفيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية، الأمر الذي ساهم في عزلة إسرائيل، والثاني، طمس الفوارق بين الكتل الاستيطانية الكبرى وبين المستوطنات المعزولة [في الضفة الغربية]، والثالث أعمال البناء الإسرائيلية في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية، والرابع، المعالجة الفاشلة لتقرير لجنة غولدستون [التي تقصت وقائع الحرب الإسرائيلية على غزة] ولعملية اغتيال [المسؤول العسكري في حركة "حماس"] محمود المبحوح في دبي.
· يبدو أن نتنياهو لا يجيد شيئاً أكثر من سياسة الهروب، وإلا لكان طرح على نفسه مثلاً، قبل إقرار عملية السيطرة على قافلة السفن، تساؤلات بشأن كيف ستتصرف حكومات الدول التي كان مواطنون منها على متن هذه السفن.
· من ناحية أخرى، فإن نتنياهو يوهم نفسه بأن الزمن كفيل بتصحيح الوضع، ذلك بأن [رئيس الولايات المتحدة] باراك أوباما سينشغل قريباً بمعركة الانتخابات الأميركية النصفية، وربما سيُمنى خلالها بهزيمة تسفر عن ضعف نفوذه، ولذا، فإن كل ما يتعين على إسرائيل فعله الآن هو أن تحني رأسها ريثما تمرّ العاصفة.
· لو كان نتنياهو زعيماً حقيقياً لكان بادر فوراً إلى اتخاذ الخطوات التالية: تغيير ليبرمان واستبدال حزب "إسرائيل بيتنا" بحزب كاديما؛ تعزيز سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ رفع الحصار عن غزة والذي ألحق أضراراً كبيرة بإسرائيل؛ فتح صفحة جديدة في العلاقات مع تركيا. غير أن إسرائيل تفتقر في الوقت الحالي إلى زعيم وزعامة حقيقيين.