سلام أوباما
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لم تحمل انتخابات الكونغرس الأميركي مفاجآت حقيقية، فقد فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب، لا في مجلس الشيوخ، وربحوا في كنتاكي لكنهم خسروا في كاليفورنيا.  باراك أوباما ما زال موجوداً: ربما بات أكثر ضعفاً، لكنه لم يهزم؛ أُصيب بجروح، لكنه لم ينكسر. والذين أملوا في القدس بأن ينقذ حزب الشاي مجلس يهودا والسامرة، أخطأوا خطأً كبيراً. لقد انتهت مرحلة الانتخابات النصفية، ونحن حالياً في مواجهة اليوم الذي يلي الانتخابات والاحتفالات.

·       الآن تبدأ اللعبة الحقيقية التي اسمها: فلسطين، وغايتها إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة خلال عام. والسبب في ذلك هو أن الرئيس الأميركي الحالي يتعاطف مع الفلسطينيين، ويشعر بمعاناتهم، ويريد إنصافهم، ولأنه يعتقد أن إقامة دولة فلسطينية سترضي العالمين العربي والإسلامي الذي يسعى للتصالح معهما. وهو يدرك أنه في ظل الأخبار السيئة من العراق ومن إيران ومن أفغانستان، فإن فلسطين تبقى فرصته الوحيدة لصنع حدث دولي ناجح. وحدها فلسطين ستجعله يستحق جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها، ووحدها فلسطين ستمنح أوباما الإرث الدولي الذي يتوق إليه، ووحدها فلسطين سترفع من معنويات المجموعة الاستشارية الليبرالية المحيطة به.

·       في سنة 2011 ستكون فلسطين بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، بالأهمية نفسها التي كان عليها قانون الضمان الصحي في سنة 2009. وسواءٌ باللين أو بالعنف، بذكاء أو بحماقة ـ سيقيم باراك حسين أوباما وحده دولة فلسطين.

·       من ناحية معينة، يبدو إصرار الرئيس الأميركي أمراً جيداً. فمن الجيد وجود زعيم دولي يحاول إنقاذ حل الدولتين في الدقيقة الأخيرة، ومن الجيد أن يكون هذا الزعيم مستعداً لتوظيف الجهود الكبيرة من أجل تحقيق هذا الحل، ومن الجيد أن يكون هناك زعيم لديه حس بالعدالة كي يدرك أن الوضع الحالي لا ُيطاق، ومن الجيد أن يوجد سياسي على قدر من السذاجة، كي يعتقد أنه قادر على إصلاح العالم.

·       لكن من ناحية أخرى، ربما يكون إصرار أوباما خطراً. وكما يقول المثل العربي، فإن العجلة من الشيطان، والسذاجة تؤدي إلى الكارثة، والنيات الطيبة غير القائمة على الوقائع ربما تقودنا إلى الجحيم. لقد حاول بيل كلينتون فرض السلام على الشرق الأوسط وفشل، وجرّب جوج بوش فرض الديمقراطية وفشل. وإذا حاول أوباما فرض نهاية للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي قبل الأوان، فسيفشل أيضاً. وهذا الإخفاق الأميركي الثالث على التوالي سيكون هو الأكبر، لأنه سيؤدي الى زعزعة الاستقرار، ويشجع على العنف، ولا يترك وراءه غير الخراب.

·       المشكلة صعبة، فالخيار هو بين سياسية طهرانية تحاول بناء القصور في الهواء، وبين سياسة ذكية تحاول تغيير الوقائع على الأرض. إن التحرك الأكثر إيجابية الذي يجري في المنطقة حالياً هو تحرك سلام فياض الذي يقوم ببناء مجتمع فلسطيني جديد ومزدهر في الضفة الغربية.

·       إذا لم نعط تحرك فياض أفقاً سياسياً، فقد ينهار، وإذا ما أُعطي أفقاً سياسياً غير قابل للتحقيق فسينهار أيضاً. لذا من الحكمة أن يُحاك للثورة الفلسطينية الهادئة ثوب سياسي يلائمها. وعلينا ألاّ ننجز ملف اللاجئين خلال شهرين، وألاّ نحاول حل مشكلة القدس خلال أسبوعين، وألا نسمح للأيديولوجيا ولا للاهوت بالوقوف في وجه المعتدلين من الفلسطينيين والإسرائيليين. إن الحل الوحيد هو الاتفاق المرحلي الذي يؤدي الى تقليص الاحتلال، من دون أن يضع نهاية للنزاع، ومن دون أن يُعرّض إسرائيل للخطر.

ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة، فأوباما حتى بعد خسارته لمجلس النواب ما زال قوياً، وهو يستطيع إرغام إسرائيل، بل الدخول في مواجهة معها، وعزلها وفرض سلام موهوم عليها، لكن ليس في استطاعته تحويل الوهم إلى حقيقة. فهو غير قادر على إسقاط "حماس"، ولا على إلغاء المطالبة بالعودة، ولا تحويل فلسطين الى بلد مسالم. لذا فإذا أصر على الإستعجال، فإنه سيتسبب باضطرابات هائلة. في مقابل ذلك، إذا اختار باراك الأسلوب البراغماتي، فثمة حظوظ كبيرة في التغيير. وحده السلام الجزئي، وغير النهائي، يعطي حامل جائزة نوبل للسلام ما يطمح إليه.