أمر عسكري جديد سيمكِّن من إبعاد السكان من الضفة الغربية بصورة جماعية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

سيدخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع أمر عسكري جديد يهدف إلى منع التسلل ويمكّن من ترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، أو تقديمهم إلى المحاكمة بتهم تحمل عقوبة السجن لمدة تصل إلى سبعة أعوام. وعندما يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ، فإن عشرات الآلاف من الفلسطينيين سيتحولون تلقائياً إلى مجرمين معرضين لعقوبات شديدة.

واستناداً إلى تصرفات وقرارات السلطات الأمنية خلال العقد الماضي، فإن أول الفلسطينيين الذين من المحتمل أن يكونوا مستهدفين في ظل الأنظمة الجديدة هم أولئك الذين تحمل بطاقات هوياتهم عناوين إقامة في قطاع غزة ـ الأشخاص المولودون في غزة وأطفالهم المولودون في الضفة الغربية ـ أو أولئك المولودون في الضفة الغربية أو في الخارج وفقدوا إقامتهم لأسباب متعددة. ومن المحتمل أن تكون زوجات الفلسطينيين المولودات في الخارج، وأزواج الفلسطينيات المولودون في الخارج، أيضاً من المستهدفين.

وحتى الآن، كانت المحاكم المدنية الإسرائيلية تمنع في بعض الأحيان طرد أفراد من هذه الفئات الثلاث من الضفة الغربية، أما الأمر الجديد فيضعهم تحت السلطة القضائية للمحاكم العسكرية الإسرائيلية حصراً.

يعرِّف الأمر الجديد كل من يدخل الضفة الغربية بشكل غير قانوني على أنه متسلل، بالإضافة إلى "أي شخص موجود في المنطقة ولا يحمل تصريحاً بشكل قانوني". كما أنه يوسِّع، وإلى حد بعيد، تعريف المتسلل الذي ورد أصلاً في أمر سنة 1969، إذ كان هذا المصطلح ينطبق في الأصل على الذين يقيمون في إسرائيل بصورة غير قانونية بعد أن كانوا يقيمون في الدول المصنفة كدول معادية ـ الأردن ومصر ولبنان وسورية.

إن لغة الأمر عمومية وغامضة، وتنص على أن تعريف المتسلل سينطبق على الفلسطينيين المقيمين في القدس، وعلى مواطني الدول التي تربطها علاقات ودية بإسرائيل (مثل الولايات المتحدة)، وعلى المواطنين الإسرائيليين، أكانوا عرباً أم يهوداً. وكل هذا يتوقف على تقويم القادة الميدانيين لقوات الجيش الإسرائيلي.

وقد كان مركز هَموكيد للدفاع عن الفرد هو أول جهة إسرائيلية عاملة في مجال حقوق الإنسان تطلق تحذيرات ضد هذا الأمر الذي تم توقيعه من جانب قائد قوات الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] في حينه، اللواء غادي شَمني، قبل ستة أشهر.

وقبل أسبوعين، أرسلت مديرة مركز هَموكيد، داليا كيرستاين، طلباً إلى قائد المنطقة الوسطى اللواء آفي مزراحي دعته فيه إلى تأجيل هذا الأمر، نظراً إلى "التغيير الدراماتيكي الذي سيتسبب به على صعيد حقوق الإنسان المتعلقة بعدد هائل من الناس".

ووفقاً لأحكام هذا الأمر، "فإن الشخص سيُعتبر متسللاً إذا وُجد في المنطقة من دون وثيقة أو تصريح يشهد على وجوده في المنطقة بصورة شرعية"، وهذه الوثيقة، بحسب الأمر، يجب أن تكون "صادرة عن قائد قوات الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة أو من ينوب عنه".

ومع ذلك، فإن التعليمات غير واضحة بشأن ما إذا كانت التصاريح المشار إليها هي تلك المعمول بها حالياً، أو أنها تشير أيضاً إلى تصاريح جديدة ربما يصدرها القادة العسكريون في المستقبل. كما أن النصوص غير واضحة فيما يتعلق بوضع حاملي بطاقات الإقامة في الضفة الغربية، وهي تتجاهل وجود السلطة الفلسطينية والاتفاقات التي وقّعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وينص الأمر على أنه إذا اكتشف قائد عسكري أن أحد المتسللين دخل مؤخراً إلى منطقة معينة، فإنه "يستطيع أن يأمر بترحيله بعد مرور 72 ساعة من تسليمه أمر إبعاد خطياً، شرط إبعاد المتسلل إلى البلد أو المنطقة التي تسلل منها".

كما يجيز الأمر اتخاذ إجراءات قضائية جنائية ضد المتسللين المشتبه فيهم يمكن أن تؤدي إلى عقوبات سجن تصل إلى سبعة أعوام. أما الأفراد الذين يستطيعون إثبات أنهم دخلوا إلى الضفة الغربية بصورة قانونية، لكن من دون أن يحصلوا على تصريح بالبقاء فيها، فسيحاكمون أيضاً بتهم ربما تصل عقوبتها القصوى إلى حكم بالسجن لثلاثة أعوام (بحسب القانون الإسرائيلي الحالي، يتلقى المقيمون بصورة غير قانونية عادة حكماً بالسجن عاماً واحداً).

ويسمح الأمر الجديد للقائد العسكري الإسرائيلي في المنطقة بأن يطلب من المتسلل دفع تكلفة احتجازه وإبعاده، أي ما قد يصل مجموعه إلى 7500 شيكل.

إن الخشية من أن يكون الفلسطينيون الذين لديهم عناوين في غزة هم أول المستهدفين بهذا الأمر، إنما تستند إلى التدابير التي اتخذتها إسرائيل في الأعوام الأخيرة لتقييد حقهم في العيش والعمل والدراسة في الضفة الغربية أو حتى زيارتها. وقد شكلت هذه التدابير انتهاكاً لاتفاق أوسلو.

ووفقاً لقرار اتخذه الحاكم العسكري للضفة الغربية منذ سنة 2007 ولم يكن مدعوماً بقوانين عسكرية، فإنه يتعين على الفلسطينيين الذين لديهم عناوين في غزة طلب تصريح للبقاء في الضفة الغربية. ومنذ سنة 2000، تم تعريف هؤلاء على أنهم مقيمون غير شرعيين إذا كان لديهم عناوين في غزة، كأنهم مواطنون تابعون لدولة أجنبية. وقد تم إبعاد كثيرين منهم إلى قطاع غزة، بمن فيهم أولئك الذين ولدوا في الضفة الغربية.

وفي الوقت الراهن، يحتاج الفلسطينيون إلى تصاريح خاصة لدخول المناطق القريبة من الجدار الفاصل، حتى لو كانت منازلهم هناك، كما أن الفلسطينيين مُنعوا منذ فترة طويلة من دخول غور الأردن من دون الحصول على تصريح خاص. وحتى سنة 2009، كان سكان القدس الشرقية بحاجة إلى تصريح لدخول المنطقة (أ) الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بالكامل.

أما الفئة الأخرى التي من المتوقع أن تتضرر من الأحكام الجديدة فهي الفلسطينيون الذين انتقلوا إلى الضفة الغربية بموجب تصاريح جمع شمل الأسرة، والتي كانت إسرائيل توقفت عن منحها لعدة أعوام.

في سنة 2007، وفي إثر عدد من الالتماسات التي قدمها مركز هموكيد، وكبادرة حسن نية تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حصل عشرات الآلاف من الأشخاص على بطاقات إقامة فلسطينية. وقد قامت السلطة الفلسطينية بتوزيع البطاقات، لكن إسرائيل كان لديها سيطرة مطلقة فيما يتعلق بتحديد هوية الذين كان في إمكانهم أن يحصلوا عليها. ومع ذلك، فإن الآلاف من الفلسطينيين لا يزالون يصنفون على أنهم "مقيمون غير شرعيين"، بمن في ذلك العديد من الذين ليسوا من مواطني أي بلد آخر.

 

إن الأمر الجديد هو أحدث خطوة تتخذها الحكومة الإسرائيلية في الأعوام الأخيرة، وتقتضي الحصول على تصاريح، وتحُدّ من حرية الحركة والإقامة التي كانت تمنحها بطاقات الهوية الفلسطينية. وتُعتبر اللوائح جديدة وشاملة بنوع خاص، وتسمح باتخاذ تدابير جنائية وطرد الناس من منازلهم بصورة جماعية.