مصر هي التحدي الاستراتيجي الجديد
تاريخ المقال
المصدر
- في ظل الأحداث التي تجري في ميدان التحرير، بعث مسؤولون كبار في مصر في الأيام الأخيرة برسائل تهدئة إلى إسرائيل قالوا فيها إن الوضع تحت السيطرة، ولا خوف على العلاقات بين الدولتين.
- في الواقع، وقبل عشرة أشهر، استلمت إسرائيل رسائل مشابهة أكد فيها المسؤولون عن الأجهزة الأمنية المصرية لنظرائهم الإسرائيليين أنه لا يوجد سبب يدعو إلى القلق، وأن النظام يسيطر على الوضع.
- يومها انخدعت إسرائيل بكلام التهدئة المصري وبنت على أساسه تقديراتها الاستراتيجية، ولاحقاً عندما سُئل المسؤولون في إسرائيل عن سبب عدم توقعهم سقوط النظام في مصر، أجابوا بالقول: لم يكن في إمكاننا توقع ما لم يكن يتوقعه المصريون أنفسهم، فحتى مبارك لم يكن يتوقع أن نهايته باتت وشيكة.
- لكن يبدو اليوم أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل قد تعلمت الدرس، وباتت أقل ثقة بكلام المصريين، وأكثر قلقاً. وفي الواقع، تغيرت العلاقة بين الدولتين، وباتت مصر اليوم تشكل خطراً، وحتى تهديداً لإسرائيل. ويتأتى الخطر من كل ما له علاقة بالحكم المركزي في القاهرة والتطورات السياسية في هذه الدولة (مع التشديد على تعاظم قوة الإخوان المسلمين)، أمّا التهديد فمرتبط بالإرهاب الذي مصدره سيناء.
- وقد أدت هذه التقديرات إلى نتائج مباشرة جرى تطبيقها على الأرض، إذ تم في سيناء بناء جدار بين إيلات وكرم شالوم، وشُكلت قيادة لواء، وجرى زيادة عدد القوات، وبات التعاطي مع مسألة الحدود المصرية - الإسرائيلية يتم على اعتبار أنها حدود قتالية.
- إلاّ إن هذا يشكل الجزء السهل من الموضوع، فالمشكلة الأساسية هي في تحول مصر من دولة مسالمة إلى دولة عدوة. وربما لا يحدث ذلك الآن، لكن ما يجري يطرح الحاجة إلى القيام بتحرك استراتيجي، وإلى إعادة النظر بالميزانية الأمنية، كما يتطلب صرف عشرات مليارات الشيكلات على تعزيز القدرة العسكرية (دبابات وسفن وطائرات)، وإعادة تشكيل القيادات، وتغيير النظام المتبع، كل ذلك من أجل مواجهة الجيش المصري.
- وكان رئيس الحكومة قد تعهد بزيادة الميزانية الأمنية مليار دولار (بصورة خاصة في مجال الاستخبارات)، لكن حركة الاحتجاج الشعبي في إسرائيل قلبت الأوراق وحولت الزيادة إلى تقليص في الميزانية. لذا، من المتوقع أن تؤدي أحداث الأيام الأخيرة في مصر إلى زيادة حدة النقاش الدائر بشأن تقليص ميزانية الأمن، وستجعل من اداعاءت وزير المال بأن الثورات أدت إلى ضعف الدول العربية، وأن الخطر الذي تشكله هذه الدول قد تراجع، مدعاة للسخرية.
- إن الأحداث التي تشهدها مصر خطيرة للغاية، وهي تهدد بخسارة إسرائيل أهم أساس استراتيجي استندت إليه خلال الأعوام العشرة الأخيرة. صحيح أن هذا لم يحدث حتى الآن، وأن السلطة الموقتة في مصر أثبتت التزامها بالسلام في إثر الهجوم الذي وقع على الحدود مع سيناء ومحاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ومن خلال الدور المهم الذي اضطلعت به في إطلاق سراح غلعاد شاليط وإيلان غرفيل، لكن علامات الضعف الحالية للأجهزة الأمنية المصرية لا تبشر بالخير.
- إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يمسك بمصر فقط، بل بالسلام أيضاً. ومن هنا، فإن سقوطه وصعود عناصر متطرفة قد يعيد مصر أعواماً عديدة إلى الوراء، إلى حين كانت تشكل خطراً على جبهتنا الجنوبية.