معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· تشير نتائج الاستفتاء العام الذي أُجري في تركيا في 12 أيلول/ سبتمبر، إلى أن الجمود في العلاقة بين تركيا وإسرائيل سيستمر. صحيح أن الاستفتاء تناول قضايا داخلية، إلا إن نتائجه تُظهر أن أغلبية الذين شاركوا فيه يدعمون سياسة الحكومة في مجالات أخرى، بما فيها السياسة الخارجية. ويقود وزير الخارجية التركي منذ فترة سياسة دولية وإقليمية تستند إلى كتابه "العمق الاستراتيجي"، وتهدف إلى تعزيز مكانة تركيا في المجال الجيوسياسي القريب، وذلك من خلال توطيد العلاقات مع الدول العربية والإسلامية. ويفسر هذا التوجه، بالإضافة إلى البحث عن دور أساسي في منطقة الشرق الأوسط، الأزمة الحادة التي تمر بها العلاقات بين تركيا وإسرائيل. وفي الوقت الذي لا تحاول تركيا ايجاد تسوية لأزمتها مع إسرائيل، نراها تبذل جهدها لتوضح أن تعزيز علاقاتها مع الدول الإسلامية وخصوصاً مع إيران، لا تضر ولا تتعارض مع رغبتها في توطيد علاقاتها مع دول الغرب، ولا مع رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
· إن الإصلاحات التي أُقرت في الاستفتاء تتعلق بتغيير الدستور الذي وضع بعد الانقلاب العسكري الذي جرى في سنة 1980 في تركيا، وهي جزء من الخطوات الليبرالية الداخلية التي طالب بها الاتحاد الأوروبي في أثناء المفاوضات التي جرت تحضيراً لانضمام تركيا إليه. وفي الواقع يحق لحزب السلطة بزعامة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان أن يرى أن نتائج الاستفتاء منحته صلاحيات ودعماً واسعين، وأن ينظر إليها بصفتها انتصاراً موقتاً على التيار العلماني الوفي لإرث أتاتورك. كما أن للاستفتاء انعكاساته على العلاقة بين الحكومة والجيش، فقد تسببت نتائجه بتآكل جديد في نفوذ الجيش، وفي قدرته على التدخل في الحياة السياسية الداخلية والخارجية، وفي كونه مركز قوة منافسة لحزب العدالة والتنمية. وكثيراً ما كان الجيش والأجهزة الأمنية في تركيا هما القوة التي تقود إلى تطوير وتعزيز العلاقات بين تركيا وإسرائيل. ومن هنا، فإن ضعف موقع الجيش وتراجع نفوذه سيكون لهما انعكاس على السياسة الداخلية والخارجية، وسيجعلان ترميم العلاقات بين البلدين صعباً.
· لم تكن قضية ["أسطول الحرية"] وسيطرة سلاح البحر الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" السبب في تدهور العلاقات، وإنما هما العامل الذي سرّع هذا التدهور. إن عملية "الرصاص المسبوك" على غزة بعد ساعات قليلة من زيارة رئيس الحكومة إيهود أولمرت لأنقرة، ووقف المفاوضات بين سورية وإسرائيل بوساطة تركية، ووصول الليكود إلى السلطة في إسرائيل، أمور كلها اعتُبرت إهانة للرئيس التركي. وقد فاقمت قضية الأسطول التركي المتوجه إلى غزة، تأزيمَ العلاقة بين الدولتين وساهمت في تعميقها.
· على إسرائيل أن تأخذ في حسبانها أن التعاون في المجالين الأمني والعسكري لن يعود إلى الكثافة التي كان عليها، والتي طبعت العلاقات بين البلدين قبل الأزمات التي حدثت في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
· لقد سمحت الوساطة بين سورية وإسرائيل خلال السنتين 2007 - 2008 لتركيا بتحقيق أحد أبرز أهداف سياسة "العمق الاستراتيجي" وبـ "تصفير المشكلات مع جيرانها". وعلى الرغم من تكرار وزير الخارجية التركي استعداد بلده للعودة إلى ممارسة دوره كوسيط بين إسرائيل وسورية، فإن من الصعب أن توافق إسرائيل على ذلك، على الرغم من رغبتها في ترميم العلاقات، ولا سيما في ظل التطورات التي تجري داخل تركيا، والتي تجلت في إضعاف نفوذ الجيش التركي، وفي اعتقال عدد من ضباطه السابقين (الذين يشكلون الحلقة البشرية التي ربطت بين الدولتين)، وفي نتائج الاستفتاء العام. وما يثير قلق إسرائيل أيضاً التقارب الذي حدث في الأعوام الأخيرة بين الحكومة في أنقرة والحكم في طهران.
· وعلى الرغم مما ذُكر أعلاه، فإننا نستطيع أن نجد صيغاً للتفاهم بشأن المطالب التركية تجاه موضوع الأسطول. فإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين تركيا والأردن وسورية ولبنان، وكذلك المساعدة التركية في إنشاء مناطق صناعية في السلطة الفلسطينية، إنما يدلان على قدرة تدخل إيجابية تركية في الاقتصاد الإقليمي. كما أن الحاجة إلى تدخل طرف ثالث في إطار حل النزاع بين إسرائيل وسورية، وبين إسرائيل والفلسطينيين، من شأنها أن تمنح تركيا دوراً إيجابياً ينسجم مع تطلعاتها السياسية في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن اكتشاف الغاز الطبيعي بالقرب من شواطىء غزة وإسرائيل، وربما مستقبلاً بالقرب من الشواطىء اللبنانية والسورية، سيساعد في إعطاء تركيا دوراً مهماً في إطار شبكات النقل.
يجب أن تدفع نتائج الاستفتاء العام في تركيا إسرائيل إلى التسليم بأن أردوغان وحزبه باقيان فترة ما في الحكم، وعليها أن تستعد لمثل هذا الاحتمال. إن السقفين السياسي والأمني اللذين تضعهما تركيا لإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل هما سقفان عاليان، لكن لدى إسرائيل أدوات وأوراق تعطيها القدرة على المناورة تجاه تركيا. كما يجب تشجيع المبادرات لتحويل النقاش التركي ـ الإسرائيلي من مجال التصريحات إلى مجال البحث عن أُطر للتعاون المشترك تتلاقى فيها المصالح بين إسرائيل وتركيا.