· إن المواجهة الأخيرة التي اندلعت بين إسرائيل والولايات المتحدة، هي حصيلة فجوة آخذة في الاتساع بين مواقف الدولتين إزاء النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ولا سيما إزاء مسألة الحدود النهائية بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستقام، وإزاء مسألة التسوية الجغرافية في القدس. ويبدو أن الولايات المتحدة لم تغيّر مواقفها المعروفة في هذا الشأن.
· من المعروف أنه في إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، تم وضع خطة سياسية عُرفت باسم "خريطة الطريق"، وكانت تهدف، ضمن أمور أخرى، إلى منح الجانبين [الإسرائيلي والفلسطيني] فسحة زمنية تتيح إمكان خلق أجواء عامة مؤيدة للتنازلات والقرارات الحاسمة المطلوبة من أجل التوصل إلى حل دائم.
· من ناحية أخرى، فإن هذه الخطة السياسية رهنت التقدم السياسي وحسم القضايا الجوهرية بتنفيذ خطوات عملية ميدانياً. وفي هذا الإطار، فإن إسرائيل تعهدت بتجميد الاستيطان، وبسحب جيشها من المدن الفلسطينية، وبتسهيل أوضاع حياة السكان الفلسطينيين،وبتقديم مساعدات لتطوير الاقتصاد وبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية.
· في موازاة ذلك، تبلورت تفاهمات بين إسرائيل والولايات المتحدة تقضي بأن يخضع رسم حدود الدولة الفلسطينية، في المستقبل، إلى مبدأ فحواه أن تلك الحدود ستعكس "الواقع الديموغرافي الجديد" في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، والذي نشأ بعد 1967، أي أن تبقى الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى تحت السيادة الإسرائيلية. وقد بعث الرئيس بوش برسالة إلى شارون، في سنة 2004، أعرب فيها عن تأييد الإدارة الأميركية المطلب الإسرائيلي المتعلق بإبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى التي أقيمت بعد سنة 1967 تحت السيادة الإسرائيلية.
· ربما كانت هذه التفاهمات وراء استمرار أعمال البناء الإسرائيلية في المستوطنات التي من شأن "الواقع الديموغرافي الجديد" أن يملي إبقائها تحت السيادة الإسرائيلية. أمّا بالنسبة إلى سائر أراضي يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، فإن إسرائيل تعهدت بعدم تغيير الواقع الديموغرافي فيها.
· إن حكومة بنيامين نتنياهو قد تخلت، عملياً، عن خطة "خريطة الطريق"، وامتنعت من تطبيقها، بل تغاضت عن المبدأ "الديموغرافي" بمجرد سماحها باستيطان يهود في أحياء عربية مكتظة. وبناء على ذلك، فإن التفاهمات والفرضيات التي كانت تشتمل عليها، لم تعد قائمة. ولعل هذا ما يفسر مواقف الإدارة الأميركية الحالية، برئاسة باراك أوباما، إزاء موضوع الاستيطان.
· ولا شك في أن الأزمة المقبلة بين إسرائيل والولايات المتحدة ستندلع ما إن تنطلق المفاوضات [غير المباشرة] عن قرب بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ذلك بأن الإدارة الأميركية ترى أن السلطة الفلسطينية باتت مؤهلة لأن تكون شريكاً في التسوية السلمية، فضلاً عن أن هذه الإدارة لا تؤيد حق إسرائيل في البناء في أي جزء من المناطق المحتلة منذ سنة 1967.
· في الوقت نفسه، فإن الإدارة الأميركية الحالية تأخذ في الاعتبار الأصوات الداخلية التي تتعالى أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، والتي تؤكد أن إسرائيل لم تعد "رصيداً مهماً" للولايات المتحدة.