· طوال أعوام اكتفى محمود عباس بمنصب الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبأن يكون الشخصية الثانية بعد عرفات. فعندما أتى عرفات إلى غزة لم يرافقه عباس، بل جاء في وقت لاحق مع عائلته، وهو رفض أن يترشح إلى البرلمان، كما رفض المشاركة في الحكومة التي شكلتها السلطة الفلسطينية. يومها، زعم المقربون من أبو مازن أنه لا يريد أن يتولى منصباً تابعاً مباشرة لعرفات بسبب الاختلاف في الرأي بينهما. وعندما فرضت اللجنة الرباعية على عباس، في سنة 2003، تولي رئاسة الحكومة، وفرضت على عرفات القبول بهذا التعيين، اضطُر أبو مازن إلى القبول، لكن بعد مرور ستة أشهر استقال من منصبه. وكانت إحدى نقاط الخلاف البارزة بين الرجلين، هي أن عباس كان يعتبر أن سياسة غض النظر من جانب عرفات وسماحه باستمرار الانتفاضة لا تخدم الفلسطينيين وإنما تسيء إليهم.
· بعد وفاة عرفات، أصبح انتخاب عباس رئيساً للسلطة أمراً مفروغاً منه، وعلى الرغم من أن علاقته السيئة بعرفات لم تكن خافية على أحد، إلاّ إن أحداً لم يستطع أن ينافسه، ولا سيما أنه يعتبر من الآباء المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية. لقد أمل عباس بأن يدفع انتخابه (بأغلبية 62٪) إسرائيل إلى البدء بمفاوضات مباشرة وجدية معه، فهو كان يعرف شارون جيداً، لذا توقع منه كرئيس للحكومة أن يقوم بخطوات غير منتظرة. لكن شارون وجه إليه صفعة بخروجه من قطاع غزة وتدمير المستوطنات الإسرائيلية هناك من دون اتفاق، باستثناء بعض التنسيق التكتيكي. ولم يخفِ شارون موقفه، ففي رأيه لا وجود لشريك فلسطيني، ولا فارق بين التنظيمات الفلسطينية. وقد اعتبر عباس أن قرار شارون [الانسحاب من طرف واحد من القطاع] هو بمثابة تقديم غزة هدية إلى "حماس".
· هكذا خسر عباس الانتخابات في غزة سنة 2006، وسيطرت "حماس"، بعد مرور عام ونصف العام، على القطاع وأقامت كياناً سياسياً منفرداً.
· بعث انتخاب باراك أوباما الأمل لدى أبو مازن، لأن الرئيس الأميركي كان يتحدث مثلما يتحدث زعماء معسكر السلام في إسرائيل. وقد أمل عباس بأن ينجح أوباما في إقناع نتنياهو بتغيير توجهاته، إلاّ إن اشتراطه التجميد الكامل للاستيطان من أجل استئناف المفاوضات أغلق الباب أمامها.
· لقد كان التوجه إلى الأمم المتحدة بالنسبة إلى عباس أمراً لا مفر منه، فاستخدام العنف لم يعد ممكناً، والتعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي بلغ ذروته، في وقت كان الجمهور الفلسطيني ينتظر خطوة مهمة تحاكي "الربيع العربي" الذي لم يصل إلى الفلسطينيين. كذلك دفع فشل العملية السياسية عباس إلى محاولة التفاهم مع "حماس"، وذلك قبيل إجراء الانتخابات، التي لن يشارك فيها، في أيار/مايو المقبل.
من هنا يبدو أن هذه هي الأشهر الأخيرة لمحمود عباس. قد يكون بيننا من سيفرح لذلك، لكن وجود زعيم فلسطيني يعارض الإرهاب ويدعم المفاوضات أفضل من زعيم يرفع شعارات كثيرة ويحتفظ لنفسه بخيار استخدام العنف، إذ بوجود مثل هذه الزعامة الفلسطينية سيكون من السهل القول أمام العالم إنه لا يوجد شريك فلسطيني. وكل من يرى في هذا الأمر مصلحة لإسرائيل لن يحزن لذهاب عباس، لكن بالنسبة إلى الآخرين فإن ذهاب عباس سيؤدي إلى إضاعة الفرصة من جديد.