التقارب مع السعودية شرطه التقدم في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- ظهرت في الفترة الأخيرة تقارير وتعليقات كثيرة تحدثت عن وجود تقارب حقيقي بين إسرائيل والسعودية. وفي الواقع، للطرفين مصالح مشتركة في منع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية وفي كبح محاولتها من أجل تحقيق الهيمنة الإقليمية. يضاف إلى ذلك الشعور بالقلق لدى الطرفين من السياسة الأميركية التي تتجنب استخدام القوة حيال إيران وسورية وتُلمح بالابتعاد التدريجي عن مشكلات الشرق الأوسط.
- على الرغم من تقاطع المصالح بين الطرفين، فإن "التطبيع" الشامل ليس مطروحاً بينهما في الوقت الراهن، وذلك في ظل عدم حدوث منعطف حقيقي في الأفق السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن يوجد بين العلاقات الدبلوماسية الكاملة والقطيعة المطلقة هامش لا بأس به للعمل باستطاعة الطرفين استغلاله.
- مع نشر "مبادرة فهد" (سنة 1982)، تخلت السعودية على الأقل علناً، عن سياستها التي تنكر فيها حق إسرائيل بالوجود. وفي أعقاب مؤتمر مدريد (سنة 1991) بدأ تقارب معين بين الدولتين، وشُكلت خمس مجموعات عمل مشتركة لمعالجة القضايا الإقليمية- المياه، والدفاع عن البيئة، والاقتصاد، واللاجئين ومراقبة السلاح. وشكلت "مبادرة عبد الله" التي قدمت سنة 2002 [خلال القمة العربية التي انعقدت في بيروت] وأسست لـ"المبادرة العربية للسلام"، خطوة إضافية في هذا المجال، فقد تعهدت بقيام علاقات طبيعية بين إسرائيل والعالمين العربي والإسلامي شرط أن تقوم إسرائيل بتلبية بضعة شروط.
- من جهتها، لم تحاول إسرائيل استغلال المبادرة كأساس للحوار مع العالم العربي، فرفضتها في البداية. فيما بعد أعرب عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، وفي طليعتهم الرئيس بيرس ورئيس الحكومة أولمرت، عن دعمهم للجوانب الإيجابية في المبادرة، من دون ان يتجاهلوا الموضوعات الإشكالية (فقد اشترطت المبادرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إنهاء العملية السلمية أي الانسحاب إلى حدود 4 حزيران/يونيو 1967، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة).
- باستثناء "مبادرة عبد الله" لم تقف السعودية موقفاً فعالاً وظلت على هامش المحاولات الرامية إلى تحريك عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين (وبين إسرائيل وسورية). ومن المحتمل أن هدف المبادرة كان منذ البداية تبديد الصورة السلبية عن السعودية التي ظهرت بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. يومها كانت عُمان وقطر خارج الإجماع في "مجلس التعاون الخليجي" فأقامتا علاقات رسمية وجزئية مع إسرائيل. وجرى فتح ممثليات إسرائيلية في هاتين الدولتين، لكن الانتفاضة الثانية وعملية "الرصاص المسبوك" على قطاع غزة أدتا إلى إغلاقها.
- في الأعوام الأخيرة أعلن السعوديون في مناسبات عدة أنهم لا ينوون القيام بخطوة جديدة يمكن أن تفسر كبادرة تجاه إسرائيل. وقد ضغطت المملكة على الإمارات الخليجية كي لا تفعل ذلك. وفي الواقع، في الأعوام الأخيرة رفضت دول الخليج الاستجابة لطلب الإدارة الأميركية القيام بخطوات "بناء للثقة" حيال إسرائيل، في إطار العمل لبناء مناخ إقليمي مؤيد للعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن في المقابل، كشفت وثائق "وكيليكس" وجود "حوار عميق ومتواصل" بشأن الموضوع الإيراني. كما ظهر أن شركات إسرائيلية تساعد أمنياً دول الخليج من خلال الاستشارات الأمنية، و هي تقوم بتدريب القوات المحلية، وتبيعها وسائل قتالية وأجهزة تكنولوجية متقدمة. في الوقت عينه تجري لقاءات بين موظفين كبار من الطرفين بصورة مستمرة. كما يظهر أيضاً أن إسرائيل باتت أكثر مرونة في سياسة تصدير السلاح إلى الدول الخليجية، وفي محاولتها فرض القيود على صفقات السلاح المتطور بين الولايات المتحدة ودول الخليج. علاوة على هذا كله أصبح في إمكان إسرائيل الوصول بصورة محدودة إلى أسواق الخليج شرط ألا تحمل المنتجات علامة أنها صنعت في إسرائيل.
- تعترف السعودية ودول الخليج بقوة إسرائيل العسكرية وبعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة (وبنفوذها داخل الكونغرس)، وهي تعتبر من المهم المحافظة على نسبة معينة من التنسيق معها. لكن "العلاقات الطبيعية" ليست ممكنة بالنسبة إليها ما لم تحدث انعطافة مهمة في العملية السياسية مع الفلسطينيين. لكن حتى لو توصل الفلسطينيون وإسرائيل إلى تسوية سياسية شاملة ليست جزئية، فإنه ليس من الواضح أن هذا سيؤدي إلى "ربيع سياسي" بين إسرائيل والسعودية وسائر دول الخليج. فخلال أعوام طويلة ربطت السعودية تحقيق مطالبة الغرب لها بالاصلاحات والبدء بعلاقات مع إسرائيل والمساهمة مساهمة ايجابية في الاستقرار الإقليمي، بضرورة التوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ومن المحتمل جداً أن استخدام هذا النزاع كان ذريعة لا أكثر.
- تعتبر السعودية ودول الخليج أن ثمن العلاقات العلنية مع إسرائيل في الفترة الحالية سيكون أكبر من فائدتها، في ظل موقف الشارع العربي الرافض للعلاقات بإسرائيل والاعتراف بها. وتسمح العلاقات السرية وغير الرسمية لأنظمة دول الخليج بإسرائيل بالاستفادة من حسنات هذه العلاقة من دون دفع الثمن إزاء الشعب الذي أصبح أكثر "صخباً" منذ بداية "الربيع العربي".
- في الفترة الأخيرة برز من يقول إن خيبة الأمل لدى السعودية وإسرائيل من سياسة الرئيس أوباما حيال إيران وسورية تشكل التقاء في المصالح من أجل التعاون بين الدولتين. ونحن ننصح هنا بأن تبتعد إسرائيل قدر الممكن عن المبادرة إلى بلورة جبهة مشتركة مع السعودية ومصر وغيرها من الدول التي تمر اليوم بمرحلة حساسة.
- إن قيام جبهة موحدة في مواجهة واشنطن من شأنه أن يضر بالعلاقة مع الولايات المتحدة التي تمر بفترة حساسة. وفي تقديرنا أن زيادة الخطر الإيراني لن يسهل على إسرائيل والسعودية التعاون في ما بينهما، لأن الطرفين لا ينظران بالطريقة عينها إلى محيطهما الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال، قد يدفع الاتفاق مع إيران السعودية لخوفها منها إلى التقارب معها، وبالتالي إلى طرح موضوع السلاح الإسرائيلي النووي على جدول الأعمال.
- وعلى الرغم من تمني السعودية وقوع هجوم عسكري إسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، إلا انها تتحفظ من أي شكل من أشكال التعاون العسكري مع إسرائيل، خوفاً من أن تدفع ثمن الهجوم.
- وفي الواقع ثمة حاجز نفسي وديني في العلاقات بين السعودية وإسرائيل لا يسمح ببناء الثقة ولا بقيام قاعدة للعلاقات المستقرة، ناهيك عن أن الربح المحتمل لهذه العلاقات لا يزال محدوداً.
- في الخلاصة، صحيح أن السعودية ترى في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني عنصراً يزعزع الاستقرار، إلا أنها تعتبر إيران مشكلة أمنية وإيديولوجية أساسية بالنسبة لها. ولكن مما لا شك فيه أن قاعدة التفاهمات بين السعودية وإسرائيل اتسعت بعد الاتفاق النووي الأولي الموقع بين الدول الست العظمى وإيران الذي استُقبل بطريقة سلبية من جانب إسرائيل والسعودية، وكذلك بعد اتفاق نزع السلاح الكيميائي من سورية الذي منح نظام الرئيس بشار الأسد الشرعية ووقتاً ثميناً.
- ويمكن أن نضيف إلى هذه التفاهمات مصالح مشتركة مثل الحاجة إلى لجم النفوذ الإيراني في المنطقة، والسعي إلى إثبات لاشرعية نظام بشار الأسد في سورية، ودعم حكم المجلس العسكري في مصر، والتوجه نحو الاعتماد على الولايات المتحدة.
- بيد أن هذا الهامش المشترك من المصالح إلى جانب التخوف من انعكاسات الاتفاق بين الدول العظمى وإيران والتقارب الإيراني- الأميركي، كل هذا لا يؤدي بالضرورة إلى تعاون علني وعلاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل، بل إلى تعزيز التنسيق السري والتفاهمات بينهما.
- لكن على الرغم من ذلك، يجب عدم التقليل من أهمية هذه العلاقات، خاصة عندما يكون المقصود علاقات بين دول لا تعترف رسمياً ببعضهما بعضاً. فمثل هذه التفاهمات بين الطرفين تساعد في المحافظة على الاستقرار الإقليمي ولا تؤذي تقدم التسوية السياسية. لكن ثمة شك كبير في أن تقوم السعودية التي تطمح إلى قيادة معسكر دول الخليج، في منح إسرائيل عناصر تطبيعية قبل حدوث تقدم فعلي في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. إلى جانب ذلك، فإن كل محاولة لإخراج هذه العلاقات من نطاقها السري وتحويلها إلى علاقات علنية سيضر بها.
- إن التقدم الحقيقي في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين من شأنه توسيع قاعدة المصالح المشتركة، وأن يسمح لإسرائيل بمطالبة السعودية بدعم أكبر للمبادرات السياسية والمساعدة في بناء الدولة الفلسطينية حتى قبل التوصل إلى اتفاق سلام دائم وشامل.