·       إن الحملة الدعائية الاستثنائية التي تقوم بها إسرائيل في الوقت الحالي بشأن المحرقة النازية، لم تكن من قبيل المصادفة، إذ إنها تأتي في الوقت الذي يتكلم العالم على تقرير لجنة غولدستون، وعلى الاحتلال الإسرائيلي.

·       ومع ذلك، فإن هذه الحملة الدعائية لن تعود بفوائد كبيرة على إسرائيل، لأنه بعد انقضاء اليوم العالمي لذكرى المحرقة، فإن العالم سينسى الخطابات الإسرائيلية كلها، ولن يبقى الواقع إلا الكئيب.

·       وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعشية سفره إلى معسكر أوشفيتس [بولندا] للاشتراك في مراسم إحياء ذكرى المحرقة، ألقى كلمة في متحف "ياد فشيم" الإسرائيلي [لضحايا المحرقة] أعلن في سياقها أن "هناك شراً كبيراً في العالم، ويجب التصدي له قبل استفحاله" [يقصد إيران]. وكان نتنياهو أعلن، قبل إطلاقه تصريحه هذا بيوم واحد، انتهاج "سياسة هجرة" جديدة إلى إسرائيل تنطوي على شرّ مطلق، وفحواه الخلط المتعمد بين القادمين من أجل العمل وبين القادمين البؤساء الهاربين من أتون الحروب، محذراً من أنهم كلهم يهددون إسرائيل بخطر شديد.

·       ولا شك في أن أي خطاب عن المحرقة لا يمكنه محو تصريحات نتنياهو التحريضية ضد الأجانب، ولا طمس حقيقة أن كراهية الأجانب في إسرائيل، بعد هذه الأقوال، لم تعد منحصرة، كما في أوروبا، في اليمين المتطرف فحسب، بل أصبحت أيضاً من نصيب المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة برمتها.

·       إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي يتكلم عن الشرّ في العالم، هو نفسه الذي أقرّ إقامة جدار لمنع تسلل لاجئين هاربين من أتون الحروب، وهو نفسه الشريك في جريمة فرض حصار على غزة منذ أكثر من ثلاثة أعوام. في الوقت نفسه، فإن قيام نتنياهو بمقارنة إيران بألمانيا النازية هو دعاية رخيصة لا أكثر.

·       بطبيعة الحال لا يجوز نسيان المحرقة، ويتعين على إسرائيل الاشتراك في الجهود الرامية إلى ترسيخها في ذاكرة الأجيال الجديدة، لكن من أجل ذلك لا بُد من أن تكون يدها نظيفة من أي ممارسة شريرة.

·       إن ألف خطاب ضد اللاسامية لن تطفئ النار التي أشعلتها عملية "الرصاص المسبوك"، والتي لم تطل إسرائيل وحدها فحسب، بل أيضاً العالم اليهودي كله. وما دامت غزة رازحة تحت وطأة الحصار، وما دامت إسرائيل تغرق أكثر فأكثر في كراهية الأجانب، فإن خطابات المحرقة كلها ستبقى خطابات جوفاء.