· لا شك في أن انطلاق المفاوضات المباشرة [بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية] يُعتبر إنجازاً سياسياً تكتيكياً مهماً للرئيس الأميركي باراك أوباما. وما يمكن تقديره الآن هو أن أوباما سيقوم، بعد بضعة جلسات تفاوضية، باستخلاص استنتاجات محددة منها، وربما يكون الاستنتاج الرئيسي والأهم، هو أن العملية السياسية استنفدت نفسها، وأن على الولايات المتحدة أن تقوم بعمل معين يرغم الإسرائيليين والفلسطينيين على تغيير طريقة تفكيرهما.
· إن الفرضية الرئيسية التي ينطلق أوباما منها، هي أن نموذج "الدولتين" بات على شفا الانهيار، وأن انهياره يمس مصالح أميركية واسعة وجوهرية في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل التدخل الأميركي يحتل مرتبة أولى في سلم أولويات السياسة الأميركية الخارجية.
· إن ما يفعله أوباما يدل على أنه قرر أن يحاول إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، أو على الأقل إدارته بحنكة واهتمام كبيرين، نظراً إلى أنه يؤثر في المصالح الأميركية. والإدارة الأميركية تفترض أن هناك نضجاً متبادلاً [لدى كل من إسرائيل والفلسطينيين] لقبول فكرة تقسيم البلد المطروحة منذ لجنة بيل في سنة 1937، مروراً بقرار 181 الصادر في سنة 1947 عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة (قرار التقسيم)، وانتهاء بالاقتراحات المطروحة في الوقت الحالي، لكن لا يوجد لدى الجانبين قدرة سياسية على التوصل إلى اتفاق دائم ونهائي في هذا الشأن.
· أمّا من ناحية إسرائيل فإن مقاربتها الأساسية إزاء العملية السياسية هي مقاربة بسيطة للغاية، وفحواها أنها ليست راغبة في البقاء في أراضي الضفة الغربية، وهي لم تعد موجودة في غزة منذ سنة 2005، لكن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم. فضلاً عن ذلك، فإن الفلسطينيين سبق أن رفضوا "خطة كلينتون" التي اقتُرحت على [رئيس السلطة الفلسطينية السابق] ياسر عرفات في إبان مؤتمر كامب ديفيد [مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك] في سنة 2000، ولذا، فإن سلوكهم لن يكون أفضل في إطار عملية سياسية ربما تقترح عليهم ما هو أقل من تلك الخطة.
· في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تعتبر أن المفاوضات التي جرت مع الفلسطينيين في سنة 2000 ليست شبيهة مطلقاً بالمفاوضات الحالية، وهي مغايرة لأي مفاوضات جرت بعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة. بكلمات أخرى، إن الثمن الذي تدفعه إسرائيل جرّاء عدم وجود اتفاق نهائي هو ثمن يمكن تحمله، في حين أن الثمن الذي سيترتب على اتفاق يتم التوصل إليه في سنة 2010، وفقاً لخطة كلينتون أو خطة باراك، سيكون ثمناً باهظاً للغاية.
وفي حال اقتناع أوباما بأن نموذج "المفاوضات المباشرة" غير مجد، فإن ما سيكون ماثلاً أمامه هو واحد من احتمالين: الأول، الكف عن التدخل في النزاع وإرجاء ذلك إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في سنة 2012، الأمر الذي يتعارض مع واقع تعامله مع العملية السياسية باعتبارها مصلحة أميركية؛ الثاني، طرح خطة أميركية لتسوية النزاع تستند إلى خطة كلينتون وتحظى بشرعية دولية. ولا شك في أن خطة كهذه لن تكون حلاً مفروضاً، وإنما ستعكس تغييراً في المفهوم الأميركي المتعلق بالنزاع.