· يبدو أن التوقعات القائمة لدى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني فيما يتعلق بنتائج المفاوضات المباشرة هي توقعات منخفضة جداً، ويسود لدى الكثيرين شعور عام بأنه لا يمكن جسر الفجوات الكبيرة بينهما، وأن القيادتين ضعيفتان للغاية ولا يمكنهما مواجهة العناصر الداخلية المتطرفة لدى كل منهما.
· إزاء ذلك لا بُد من القول إن إسرائيل ارتكبت تقصيراً كبيراً يصعب فهمه عندما تجاهلت مبادرة السلام العربية التي أطلقتها الجامعة العربية في سنة 2002، والتي تبنّاها في سنة 2003، وزراء خارجية الدول الإسلامية الذين اجتمعوا في طهران. وقد نصّت هذه المبادرة على أنه لا حل عسكرياً للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وتوجهت إلى الإسرائيليين بصورة مباشرة، وامتنعت من توجيه اتهامات ومن استعمال عبارات جارحة، وتطرقت إلى النزاع باعتباره نزاعاً يمكن حله لمصلحة الجانبين، فضلاً عن تأكيدها أن السلام هو خيار استراتيجي عربي، وكذلك مطالبتها إسرائيل بأن تعتبر السلام خياراً استراتيجياً.
· في المقابل، فإن هذه المبادرة شملت مطالب من إسرائيل هي: الانسحاب إلى حدود 1967؛ إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرارات الأمم المتحدة؛ إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون القدس الشرقية عاصمة لها. وفي مقابل تنفيذ هذه المطالب، فإن المبادرة تقترح على إسرائيل إنهاء النزاع معها، والتوصل إلى اتفاق يجلب الأمن لدول المنطقة كلها، ويسفر عن إقامة علاقات طبيعية فيما بينها. غير أن إسرائيل لم تتطرق إلى هذه المبادرة مطلقاً على مدار الأعوام الثمانية الفائتة، كما أنها لم تبلور أي موقف إزاءها، فضلاً عن أنها لم تقترح أي مبادرة خاصة بها.
· لماذا يُعتبر هذا الأمر تقصيراً خطراً؟ أولاً، لأنه منذ إقامة دولة إسرائيل [سنة 1948] بل حتى قبل إقامتها، لم تقدم أي هيئة عربية مهمة على اقتراح موقف إيجابي وعملي [لحل النزاع] مثل الموقف الذي اقترحته مبادرة السلام العربية؛ ثانياً، لأنه كان يجب إدراك أن مبادرة السلام العربية تنطوي على استعداد عربي للاشتراك بصورة نشطة في إيجاد حلول للمشكلات العالقة بين الجانبين، مثل مشكلة الأماكن الإسلامية المقدسة [في القدس] ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي يجب حلها في إطار الدولة الفلسطينية التي ستقام وفي إطار الدول العربية ودول أخرى.
ومع هذا، فإن الوقت لم يفت بعد، وفي إمكان إسرائيل أن تبادر الآن إلى وضع حدّ لسياسة التغاضي عن مبادرة السلام العربية، وأن تتبناها، ذلك بأن إدخال دول هذه المبادرة إلى اللعبة من شأنه أن يساهم كثيراً في دفع اتفاق السلام قدماً، وكذلك في إخراجه إلى حيّز التنفيذ.