الجيش الإسرائيلي يُمنح زيادة في الميزانية بدلاً من تقليص ميزانيته
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
–
The Marker
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- شكّل خبر تنحية رئيس شركة صناعة الأدوية "ﺗﻴﭭﺎ"، جيريمي ليفين، غطاءً ملائماً لخروج رئيس هيئة الأركان العامة السابق، غابي أشكنازي، من الباب الخلفي بهدوء.
- فقد أعلن أشكنازي في اليوم ذاته استقالته من رئاسة شركة "شيمين أويل"، وذلك بعد أسبوعين على إعلان الشركة أن بئر "يام 3"، قبالة ساحل أسدود، ناضبة. لكن قبل بضعة أسابيع، كان هو قام بتوقيع بيان رسمي يعلن أن شركة "شيمين أويل" عثرت على "مؤشرات ملحوظة" تؤكد إمكانية اكتشاف النفط؛ وحمل هذا البيان مستثمرين كثراً على التعلق بآمال خاطئة. وفي النهاية، خسر أولئك الذين استثمروا في الشركة نصف بليون شيكل (140 مليون دولار)، في الوقت الذي ملأ أشكنازي جيوبه بملايين الشيكلات.
- بالطبع لسنا في وارد إلقاء تبعة الفشل على أشكنازي الذي كان يتلقى من شركة "شيمين أويل" راتباً شهرياً قدره 100 ألف شيكل (28,350 دولار)، فمن بين كل المنقبين عن النفط والغاز الطبيعي داخل إسرائيل وقبالة ساحلها، قلة فقط من المنقبين المحظوظين، وعلى رأسهم يتسحاق تشوفا صاحب مجموعة "ديليك"، عثروا عليه.
- ومع ذلك، يمكن في طريقة تصرف أشكنازي ملاحظة نمط السلوك المشترك بين جميع ضباط الجيش الإسرائيلي عندما يتقاعدون من الجيش، إذ يهبطون بالمظلة في مناصب إدارية تنفيذية مريحة، ويحظون برواتب منتفخة ومميزات كثيرة – برغم عدم خبرتهم السابقة.
- وعلى غرار العديد من زملائه، يلاحظ لدى أشكنازي موقف لا مبال تجاه أموال المستثمرين وتجاه راتبه الخرافي الذي لا علاقة له بالأداء الوظيفي.
- لكن أيحق لأحد التذمر من عدم خبرة أشكنازي في القطاع الخاص، في حين أن وزير المال، المنتخب بأصوات أكثر من نصف مليون ناخب إسرائيلي، ليس لديه أية معرفة أو تجربة في هذا المجال؟ فيوم الخميس الماضي، ومباشرة بعد موافقة الحكومة الأمنية المصغرة على زيادة ميزانية وزارة الدفاع بنحو 2,75 بليون شيكل (779,7 مليون دولار)، قرأ وزير المال يائير لبيد بياناً يعلن فيه تحفظه من هذا القرار ويلقي المسؤولية بأكملها على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولقد جاء في البيان ما يلي: "بعد مواجهة صعبة، توجت النقاشات داخل الحكومة الأمنية المصغرة بتسوية حول حجم التقليص في ميزانية الدفاع. لكن رئيس الحكومة قرر زيادة ميزانية الدفاع برغم معارضتي لهذه الخطوة. ولا نزال مصرين على أن المؤسسة الأمنية ملزمة بأن تتصرف بمسؤولية من الناحية المالية وبأن تُرَشِّد إنفاقَها. ولا يسعنا القبول بتحمّل الطبقة الوسطى لهذا العبء خلافاً للمؤسسة الأمنية. أنا سعيد لتمكّننا من منع تحويل كل المبلغ الذي طلبته المؤسسة الأمنية. فنحن في حاجة إلى 1,75 بليون شيكل (496 مليون دولار) من أجل روضات الأطفال، والرعاية الصحية، والتعليم، وإجراءات متعددة كفيلة بخفض كلفة المعيشة في إسرائيل".
- وفي الواقع، لا جدوى من إلقاء اللوم على لبيد (الذي صوّت في النهاية لحلّ بالتراضي بالنسبة لتقليص ميزانية الدفاع). وهكذا، فوّت [لبيد] فرصة إجراء تقليص مؤثر خلال مرحلة مناقشة الموازنة العامة فور تشكيل الحكومة. فآنذاك، كان بالإمكان فرض تخفيض معاشات التقاعد في الجيش الإسرائيلي. وحتى رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال بيني غانتس، ووزير الدفاع موشيه يعالون، كانا على استعداد لنقاش تقليصٍ في الميزانية، شرط ألا تكون وزارة الدفاع هي الوحيدة التي تتعرض لاقتطاعٍ في ميزانيتها. لكن لبيد تراجع خشية مواجهة مع رئيس اتحاد النقابات العامة "الهستدروت" عوفر عيني.
- وليس لرئيس الأركان السابق [غابي] أشكنازي ما يخشاه، أقلّه على صعيد معاشه التقاعدي الذي يقبضه من الجيش، فإن مدفوعات المعاشات التقاعدية الكبيرة ذات المزايا المحدّدة defined benefit pension payments التي يتلقاها منا ستستمر في التدفق إلى الأبد. ما هو المعاش الشهري الذي يتلقاه؟ عفواً، البيانات غير متوفرة! مثلما لا تتوفر بيانات حول المعاش التقاعدي الذي يقبضه اللواء (احتياط) عوزي ديان، رئيس اللوتو الوطني الإسرائيلي، والذي تفوّه بكلمات قاسية جداً موجهة للشباب الإسرائيليين الذين يحاولون التعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة في إسرائيل عن طريق تجربة حظوظهم في الخارج- بالإضافة إلى راتبه الشهري من اللوتو الوطني الإسرائيلي ويبلغ 50 ألف شيكل (نحو 14200 دولار)، فإن حجم المعاشات التقاعدية التي تدفع لضباط الجيش الإسرائيلي سرّ عسكري. وعليه، فإن التحقيق الذي نشره حاييم ﻟﻴﭭﻨﺴﻮن في جريدة "هآرتس" هذا الأسبوع، وأماط اللثام عن معاشات التقاعد الباهظة التي تُمنح لقضاة المحاكم المدنية والحاخامية، لم يشمل أية أرقام حول الجيش الإسرائيلي. وكل ما نعرفه هو أن معاش الضابط أو ضابط الصف المتقاعد من الجيش، يبلغ في المتوسط ضعفي ونصف ضعف معاش الموظف المدني، وأن مجموع التزامات الدولة المالية لمدفوعات التقاعد ذات المزايا المحددة للجيش الإسرائيلي يناهز 250 بليون شيكل (70,9 بليون دولار)- فهو أكبر بعشرة أضعاف مما كان عليه قبل عقد من الزمن.
- لقد تكرر الأسبوع الماضي ما حدث أثناء نقاشات الميزانية، وهو أن رئيس هيئة الأركان العامة بيني غانتس لعب دور الزعيم النقابي المدافع عن حقوق ضباط الجيش الإسرائيلي، عندما أعلن [مخاطباً إياهم] رفضه الموافقة على "دوس حقوق الجنود النظاميين الأساسية. فإن الانتقاص من حقوقكم هو بمثابة إخلال بأمن إسرائيل". أحقاً؟ هل إن تقليصَ كلفة خدمات علاج الأسنان التي يستفيد منها أولاد الضباط النظاميين مجاناً يخلُّ بالأمن القومي؟ وماذا عن حسم 50% من أقساط التأمين الصحي؟ أو حسم 90% من الإقامة في الفنادق الإسرائيلية الفخمة؟ لكن رئيس الأركان ذهب أبعد من مجرد الكلام: فلقد منح مستخدمي الجيش الإسرائيلي المتقاعدين زيادة بنسبة 6% على معاشات التقاعد كعلاوة أقدمية مكتسبة خلال ثلاثة أعوام من الخدمة العسكرية. فهذه منافع لا تُمنح للعمال الإسرائيليين المدنيين برغم أن معظمهم أمضى ثلاثة أعوام في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.
لكن، يبدو أن شعار "الأوقات الصعبة جداً تتطلب إجراءات صعبة جداً"، في الجيش الإسرائيلي، مجرد كلام. - إن وزير المال لبيد معذور بعض الشيء في إلقائه اللوم على رئيس الحكومة، فخطاب نتنياهو المرتكز على التهديدات الأمنية، اضطره في الظاهر إلى الاستجابة لكلام الجيش الإسرائيلي عن السيناريوات القاتمة الوشيكة. لكن وزير المال محق في قوله: إذا كان هناك فائض في الموازنة العامة، لماذا ينبغي استخدام هذه الأموال لزيادة ميزانية الدفاع؟ ولماذا لا يجري تخفيف بسيط في الاقتطاعات من مخصصات الأطفال؟ وماذا عن الزيادة المقرّرة في معدلات ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة؟ بيد أن الإسرائيليين تعلموا القبول بهذا الوضع. ففي هذه الحرب، تخرج المؤسسة الأمنية منتصرة على الدوام. المرة تلو الأخرى، يُقرَّر خفض ميزانيتها، والمرة تلو الأخرى، يُلغى خفض الميزانية.
- فعلى سبيل المثال، أوصت لجنة تْرَخْتنبرغ للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي المعيّنة من قبل الحكومة، بخفض ميزانية الدفاع بمقدار 3 بليون شيكل (900 مليون دولار)، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق. وعلى نحو مماثل، أكدت لجنة بروديت المعيّنة لدراسة الإنفاق الأمني في توصياتها على تنفيذ خطة لترشيد الإنفاق تؤدي إلى توفير مبلغ 30 بليون شيكل (8,5 بلايين دولار) خلال عشر سنوات، لكن خطة الترشيد لم تُطبّق. وبالضبط، وبسبب واقع الأمور الحالي، من المؤسف رؤية نتنياهو يوافق على المبررات التي أعطتها المؤسسة الأمنية - العسكرية، علماً بأن هذه الأخيرة تركّز على إظهار الرسم البياني الانحداري لنسبة ميزانية الدفاع للناتج القومي الإجمالي [ميزانية الدفاع كنسبة مئوية من الناتج]. فهذا صحيح وجدير بالتنويه. ولكن، إذا نظر المرء إلى الميزانية من منظور آخر، يكتشف أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لم تكن في أي وقت مضى أكبر مما هي عليه اليوم. فبحسب مقاربة المؤسسة الأمنية –العسكرية، إذا ازداد الناتج القومي الإجمالي ونما الاقتصاد الإسرائيلي وزاد حجمه، ينبغي أن يُكافأ الجيش الإسرائيلي تلقائياً [عبر زيادة ميزانية الدفاع].
- الكل في الجيش الإسرائيلي يتحدث عن أن ميزانية الدفاع تبلغ ما بين 4 و5% من الناتج القومي الإجمالي. وتبدو النتيجة جيدة في الظاهر، ومطابقة تقريباً لما هي عليه في البلدان الأوروبية التي تتعامل مع مستوى أقل بكثير من التهديدات الأمنية. لكن، وبناءً على حسابات بنك إسرائيل المركزي، فإن النفقات الأمنية لإسرائيل أكبر من ذلك بكثير إذا أخذنا بالحسبان حجم المساعدات العسكرية الأميركية، وميزانيات قيادة الجبهة الداخلية التابعة للجيش الإسرائيلي، وكذلك صندوق دمج الجنود المسرّحين والنفقات الإضافية للأفراد المجندين ولجنود الاحتياط. وفق هذه الحسابات، يبلغ المجموع العام لميزانية الدفاع نحو 70 بليون شيكل (19,8 بليون دولار)، وعليه، فهو يشكل نسبة 7% من الناتج القومي الإجمالي. لكن نتنياهو والمحيطين به يقبلون بشعار المؤسسة العسكرية التالي: "التهديدات لم تتقلص، لكنها تغيّرت فقط"، برغم أن لمعظم الخبراء الأمنيين آراء مختلفة جداً.
- يدفع الدعم الذي يوفّره نتنياهو [للمؤسسة العسكرية] إلى طرح السؤال التالي: ماذا كان الداعي في الظرف الراهن، لأن يرسل خبراءُ العلاقات العامة في الجيش الإسرائيلي ضابطَ صف مكلّفاً بمهمة شبه يائسة إلى وسائل الإعلام لكي يصرّح لاحقاً بأنه "تُرك لوحده في مواجهة الأسئلة المحرجة [للإعلاميين]"؟ وعلى نحو مماثل، يدفع دعم [نتنياهو] إلى طرح سؤال ملح آخر: لماذا أُرسل الأطفال الذين يعيشون في المراكز السكنية المحاذية للحدود مع قطاع غزة للتظاهر ورفع شعارات تقول انهم معرضون للخطر، وللاعتراض على قرار المؤسسة العسكرية بسحب الجنود الإسرائيليين المتمركزين في هذه التجمعات السكنية؟ حقاً، إن كبار الضباط قد حوّلوا الخدعة المعروفة التي مارسها رئيس بلدية تل أبيب السابق، شلومو لاهط، إلى خبرة في بث الرعب في نفوس المواطنين. ويوم الخميس الماضي، ومن قبيل "إلقاء عظمة" للطبقة الوسطى- وخلف أعمدة من الدخان الناجم عن تقارير الانفجارات الغامضة في مدينة اللاذقية السورية وفي دمشق – أعلنت الحكومة الأمنية المصغرة عن "تشكيل لجنة عامة لدراسة ميزانية الدفاع بكل جوانبها، وعن تعيين فريق عمل برئاسة مدير عام مكتب رئيس الحكومة هارئيل لوكير، مهمته تسريع إخلاء قواعد الجيش الإسرائيلي في وسط إسرائيل من أجل تخصيص الأرض للمشاريع الإعمارية". لكن أعضاء الحكومة الأمنية المصغرة لم يكشفوا أن الشقق السكنية التي ستُبنى على قطع الأرض الشاغرة ستُباع على الأرجح إلى الضباط المتقاعدين من المؤسسة الأمنية والعسكرية بحسْمٍ تُقدِّره "سلطة إسكان وزارة الدفاع" التي تتفرّع ميزانيتها من ميزانية الدفاع.
- عندما يُطلب من الجيش الإسرائيلي تقليص ميزانيته، يتم التقليص في المواضع الأكثر إيلاماً: التدريب، وحدات الاحتياط، وإغلاق وحدات قتالية. إن تقليصات الميزانية في هذه المواضع يُخِلّ حقاً بالأمن القومي. وليس للجيش الإسرائيلي بدائل أُخرى لأنه طيلة السنوات الماضية، لم يطرأ أي تغيير استراتيجي – على صعيد طاقم العاملين في الجيش، وسنّ التقاعد، والمعاشات، وشعبة إعادة التأهيل، وبعثات المشتريات. ولم يُجْرِ غانتس أو أشكنازي أية تغييرات استراتيجية. وفي تناقض مع الوعود التي قُطعت أمام لجنة بروديت، ازداد عدد الضباط العاملين في الجيش النظامي بنسبة 12% خلال السنوات الست الأخيرة – مما يترتب عنه إنفاق إضافي سنوي يراوح بين نصف بليون شيكل (140 مليون دولار) وبليون شيكل (280 مليون دولار(
- هل يعلم نتنياهو كل ذلك؟ بالطبع يعلم. فبعد كل شيء هو الذي صاغ نظرية الرجل البدين والرجل النحيل- القطاع الخاص النحيل الذي يحمل القطاع العام البدين على ظهره. هو يعلم لكنه يحاول بكل بساطة تأجيل أمر لا مفر منه. ومن المأمول أن يُطلق لبيد ونتنياهو مع يَعالون وغانتس، إصلاحات ثورية قبل أن يتطلّب إطعامُ المؤسسة العسكرية البدينة خفضاً كبيراً، غير سار أبداً، لا بل قاس، في ميزانيات كافة الخدمات العامة في إسرائيل؛ وقبل زيادة الضرائب على رواتب ومعاشات العاملين في القطاع الخاص، والقطاعات الإنتاجية، ومن ضمنهم العمال الذين يكافحون باكراً كل يوم من أجل تغطية تكاليف معيشتهم. وفي نهاية المطاف، فإن من سيدفع ثمن كل ذلك هم أبناء الطبقات الضعيفة والعمال والكسبة غير المنضوين في النقابات. يُدرك نتنياهو أنه في علم الاقتصاد، لا يوجد وجبات غداء مجانية، وأن العدالة الاجتماعية تتحقّق فقط عندما تُلغى امتيازات المجموعة الأقوى على الصعيد الاقتصادي. لكن، في غضون ذلك، هو يؤجل أمراً لا مفر منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وإذا أضيفت سائر التأمينات والمنافع التي يتلقاها العسكريون، تصل هذه النسبة إلى أكثر من
40 % ( 41,8% من الإنفاق الأمني في العام 2009، بحسب دراسة شموئيل إيفين، "الإنفاق
العسكري في إسرائيل"، عدكان استراتيجي، المجلد 12، العدد 4، شباط/فبراير 2010 (المحرر).
- الملف من تقديم وترجمة يولا البطل.