[تقديم]
تعتبر مؤسسة الجيش الإسرائيلي المؤسسة الأقوى في الدولة. يخدم الإسرائيليون الصهاينة طواعيةً فيه ما إن يبلغ أحدهم الثامنة عشرة من عمره، فيستوعبون منطقه ولغته وتفكيره الأحادي. ولا يشجع المجتمع الإسرائيلي على محاسبة أو مساءلة هذه المؤسسة. وتتماهى أغلبية الإسرائيليين مع جيشهم، وتُسهم إنجازاته الحربية في تكوين الذاكرة الإسرائيلية الرسمية.
ولا توجد في إسرائيل مؤسسة يمكن أن تنافس قدرة الجيش على نشر الصور والمعلومات، وتشكيل النخب السياسية والأكاديمية، وإنتاج القيم. وهناك علاقات وثيقة تربط الجيش بالجامعات الإسرائيلية ومعاهد البحث التابعة لها من خلال برامج البحث المشتركة والمنح التي تقدمها المؤسسة.
وللمؤسسة العسكرية والأمنية تأثير حاسم في الاقتصاد وعلى مستويات متعددة. فالجيش هو أكبر زبون لكل أنواع المنتجات والخدمات في إسرائيل. وهناك قطاعات صناعية بأكملها قائمة على تلبية طلبيات الجيش. وتُشغّل الصناعات العسكرية الإسرائيلية آلاف المستخدمين. كما أن العاملين في الصناعات فائقة التكنولوجيا هم خليط من العسكريين الحاليين والعسكريين السابقين. ويستفيد جنرالات الجيش من علاقاتهم مع كبرى الشركات العسكرية الغربية المصدرة للأسلحة لملء جيوبهم بالأموال، أو يشغلون، بعد تقاعدهم المبكر، مناصب إدارية في معاهد البحث، أو المصارف، أو المنشآت الكبيرة برواتب خيالية. أضف إلى أن الخدمة في الجيش الإسرائيلي هي بمثابة موطئ قدم لوصول الجنرالات المتقاعدين إلى مناصب عليا في النظام السياسي الإسرائيلي.
وعليه، فمن المفيد الاطلاع على الأبحاث التي تلقي الضوء على امتيازات النخبة العسكرية وتأثيرها في صنع القرار في إسرائيل، علماً بأن هذه الأبحاث تبقى ضمن ما هو "مقبول سياسياً"، وصهيونياً، في إسرائيل.
ومن هذا المنطلق، نقدّم إلى القارئ العربي ثلاثة تحقيقات نُشرت مؤخراً في "ذي ماركر"، الملحق الاقتصادي اليومي لجريدة "هآرتس" الإسرائيلية، وهي تعكس حقيقة أن العسكريين يلعبون دوراً مهماً في توجيه سياسة الدولة الصهيونية، ويمنعون أية مساءلة أو محاسبة، ويحبطون كل محاولة لتقليص امتيازاتهم المادية.
في المقالة الأولى، يستعرض روتيم ستاركمان في تحقيقه الطويل، الأساليب التي تلجأ إليها النخبة العسكرية لإحباط كل محاولة للحد من امتيازاتها، أو لتقليص ميزانية الأمن الضخمة. وهكذا جرى التملص من توصيات لجنة ترختنبرغ للإصلاح الاجتماعي، ثم من توصيات لجنة بروديت لترشيد الإنفاق العسكري. وتُمنع وزارة المال من الاطلاع على بنود إنفاق الميزانية العسكرية، ولا سيما تفاصيل بند الرواتب والأجور، وكأن "المعاشات التقاعدية التي تدفع لضباط الجيش الإسرائيلي سرّ عسكري". ويستخدم قادة الجيش والأجهزة الأمنية "خدعة بث الرعب في النفوس"، وسيناريوات التهديدات الأمنية للحفاظ على امتيازاتهم.
وفي المقال الثاني يتحدث إيتان أفريئيل عن المؤسسة العسكرية-الأمنية على أنها "دولة ضمن الدولة"، وعن أن "إسرائيل جيش صودف أن له دولة" (وهذه مقولة لجماعة اليسار المناهض للصهيونية).
ويضيف أن نحو 600 شركة عسكرية صناعية تحتضن الضباط المتقاعدين، وأن الجيش هو بمثابة "موطئ قدم لممارسة ثاني أحب مهنة إلى قلوب هؤلاء، أي السياسة". ويوضح موتي باسوك في المقالة الثالثة والأخيرة كيف أن وزارة الدفاع "تضع ميزانيتها بنفسها" فيسمح عدم شفافيتها بالتفلت من أية رقابة. ويُبيّن أن رواتب ضباط الجيش الفعلية تخطّت الإنفاق الملحوظ في ميزانية العام 2012، بنسبة 22%.
وأضفنا ملحقاً من أربعة جداول تتضمن بيانات مستقاة من الموازنة الإسرائيلية العامة للسنوات 2013-2014 (مصدرُها الموقع الإلكتروني لوزارة المال الإسرائيلية).
وهي تُظهر أن هناك طرقاً مختلفة لقياس الإنفاق الأمني في إسرائيل، وأن ميزانية الأمن الإسرائيلية تشكل 17% من الموازنة العامة، و25% من الموازنة العادية، وأن رواتب العسكريين تمثل 35% من الإنفاق الأمني.(1)
(1) وإذا أضيفت سائر التأمينات والمنافع التي يتلقاها العسكريون، تصل هذه النسبة إلى أكثر من
40 % ( 41,8% من الإنفاق الأمني في العام 2009، بحسب دراسة شموئيل إيفين، "الإنفاق
العسكري في إسرائيل"، عدكان استراتيجي، المجلد 12، العدد 4، شباط/فبراير 2010 (المحرر).
- الملف من تقديم وترجمة يولا البطل.